responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 36

من العباد هو الذي ينزل كل شيء منزلته و لا يتعدى به مرتبته و يعطي كل ذي حق حقه لا يحكم في شيء بغرضه و لا بهواه لا تؤثر فيه الأعراض الطارئة فينظر الحكيم إلى هذه الدار التي قد أسكنه اللّٰه فيها إلى أجل و ينظر إلى ما شرع اللّٰه له من التصرف فيها من غير زيادة و لا نقصان فيجري على الأسلوب الذي قد أبين له و لا يضع من يده الميزان الذي قد وضع له في هذا الموطن فإنه إن وضعه جهل المقادير فأما يخسر في وزنه أو يطفف و قد ذم اللّٰه الحالتين و جعل تعالى للتطفيف حالة تخصه يحمد فيها التطفيف فيطفف هناك على علم فإنه رجحان الميزان و يكون مشكورا عند اللّٰه في تطفيفه فإذا علم هذا و لم يبرح الميزان من يديه لم يخط شيئا من حكمة اللّٰه في خلقه و يكون بذلك إمام وقته فأول ما يزن به الأحوال في هذا الموطن فإن اقتضى وزنه للحال إظهار الحق لعباده و تعريف الخلق به عرفهم و ذلك في الموطن الذي لا يؤدي ذكره إلى أذى اللّٰه و رسوله فإن اللّٰه قد وصف نفسه بأنه يؤذي فقال إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ و هذا الذي اقتضى له اسم الصبور و الاسم الحليم و

قال رسول اللّٰه ص ليس شخص أصبر على أذى من اللّٰه و قد كذب و شتم

أخبر اللّٰه بذلك في الصحيح من الخبر عن رسول اللّٰه ص عن ربه فقال كذبني ابن آدم و لم يكن ينبغي له ذلك و شتمني ابن آدم و لم يكن ينبغي له ذلك و هذا القول إنما تكلم به الاسم اللطيف و لهذا أكسبه هذا اللطف في العتب في دار الدنيا و وقع به التعريف ليرجع المكذب عن تكذيبه و الشاتم عن شتمه فإنه موطن الرجوع و القبول منه و الآخرة و إن كانت موطن الرجوع و لكن ليست موطن قبول فمن الميزان أن لا يعرض الحكيم بذكر اللّٰه و لا بذكر رسوله و لا أحد ممن له قدر في الدين عند اللّٰه في الأماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر اللّٰه فيها أو رسوله أو أحدا ممن اعتنى اللّٰه به كالصحابة عند الشيعة فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور و شتمه و إدخال الأذى في حقه ففي مثل هذا الموطن لا يذكره

أ لا تراه ص قد نهانا أن نسافر بالقرآن الذي هو المصحف إلى أرض العدو فإنه يؤدي ذلك إلى التعرض لإهانته و عدم حرمته مما يطرأ عليه ممن لا يؤمن به فإنه عدو له و هذا مقام الملامي لا غيره فالشريعة كلها هي أحوال الملامية

سألت عائشة أم المؤمنين رضي اللّٰه عنها عن خلق رسول اللّٰه ص فقالت رضي اللّٰه عنها كان خلقه القرآن ثم تلت قوله تعالى وَ إِنَّكَ لَعَلىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ فالأصل الإلهي الذي استندت إليه هذه الطائفة هو ما ذكرناه من أن الحق سبحانه يجب لجلاله من التعظيم و الكبرياء ما تستحقه الألوهة و مع هذا فانظر موطن الدنيا ما اقتضاه في حق الحق من دعوى العبيد فيها الربوبية و منازعة الحق في كبريائه و عظمته فقال فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ و تكبر و تجبر و سبب ذلك أن الموطن اقتضى أن ينحجب الخلق عن اللّٰه إذ لو أشهدهم نفسه في الدنيا لبطل حكم القضاء و القدر الذي هو علم اللّٰه في خلقه بما يكون عنهم و فيهم فكان حجابه رحمة بهم و إبقاء عليهم فإن تجليه سبحانه يعطي بذاته القهر فلا يتمكن معه دعوى فلما كانت الألوهية تجري بحكم المواطن كان هذا الأصل الإلهي مشهود الملامية إذ كانوا حكماء علماء فقالوا نحن فروع هذا الأصل إذ كان لكل ما يكون في العالم أصل إلهي و لكن ما كل أصل إلهي يكون في حق العبد إذا اتصف به محمودا فإن الكبرياء أصل إلهي بلا شك و لكن إن اتصف به العبد و صير نفسه فرعا لهذا الأصل و استعمله باطنا فإنه مذموم بكل وجه بلا خلاف و لكن إن استعمله ظاهرا في موضع خاص قد عين له و أبيح له فيه استعماله صورة ظاهرة لا روح لها منه كان محمودا لنفس الصورة و لهذا رأت الطائفة أن خرق العوائد واجب سترها على الأولياء كما أن إظهارها واجب على الأنبياء لكونهم مشرعين لهم التحكم في النفوس و الأموال و الأهل فلا بد من دليل يدل على إن التحكم في ذلك لرب المال و النفس و الأهل فإن الرسول من الجنس فلا يسلم له دعواه ما ليس له بأصل إلا بدليل قاطع و برهان و الذي ليس له التشريع و لا التحكم في العالم بوضع الأحكام فلأي شيء يظهر خرق العوائد حين مكنه اللّٰه من ذلك ليجعلها دلالة له على قربه عنده لا لتعرف الناس ذلك منه فمتى أظهرها في العموم فلرعونة قامت به غلبت عليه نفسه فيها فهي إلى المكر و الاستدراج أقرب منها إلى الكرامة فالملامية أصحاب العلم الصحيح في ذلك فهم الطبقة العليا و سادات الطريقة المثلى و المكانة الزلفى في العدوة الدنيا و العدوة القصوى و لهم اليد البيضاء في علم المواطن و أهلها و ما تستحق أن تعامل به و لهم علم الموازين و أداء الحقوق و كان سلمان الفارسي من أجلهم قدرا و هو من أصحاب رسول اللّٰه ص

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 36
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست