responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 35

و غير ذلك غير أنهم مع ذلك يرون أن ثم شيئا فوق ما هم عليه من الأحوال و المقامات و العلوم و الأسرار و الكشوف و الكرامات فتتعلق هممهم بنيلها فإذا نالوا شيئا من ذلك ظهروا به في العامة من الكرامات لأنهم لا يرون غير اللّٰه و هم أهل خلق و فتوة و هذا الصنف يسمى الصوفية و هم بالنظر إلى الطبقة الثالثة أهل رعونة و أصحاب نفوس و تلامذتهم مثلهم أصحاب دعاوى يشمرون على كل أحد من خلق اللّٰه و يظهرون الرئاسة على رجال اللّٰه و الصنف الثالث رجال لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب لا يتميزون عن المؤمنين المؤدين فرائض اللّٰه بحالة زائدة يعرفون بها يمشون في الأسواق و يتكلمون مع الناس لا يبصر أحد من خلق اللّٰه واحدا منهم يتميزون عن العامة بشيء زائد من عمل مفروض أو سنة معتادة في العامة قد انفردوا مع اللّٰه راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع اللّٰه طرفة عين و لا يعرفون للرئاسة طعما لاستيلاء الربوبية على قلوبهم و ذلتهم تحتها قد أعلمهم اللّٰه بالمواطن و ما تستحقه من الأعمال و الأحوال و هم يعاملون كل موطن بما يستحقه قد احتجبوا عن الخلق و استتروا عنهم بستر العوام فإنهم عبيد خالصون مخلصون لسيدهم مشاهدون إياه على الدوام في أكلهم و شربهم و يقظتهم و نومهم و حديثهم معه في الناس يضعون الأسباب مواضعها و يعرفون حكمتها حتى تراهم كأنهم الذي خلق كل شيء مما تراهم من إثباتهم الأسباب و تحضيضهم عليها يفتقرون إلى كل شيء لأن كل شيء عندهم هو مسمى اللّٰه و لا يفتقر إليهم في شيء لأنه ما ظهر عليهم من صفة الغني بالله و لا العزة به و لا أنهم من خواص الحضرة الإلهية أمر يوجب افتقار الأشياء إليهم و هم يرون كون الأشياء لا تفتقر إليهم و يفتقرون إليها كون اللّٰه قال للناس أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فهم و إن استغنوا بالله فلا يظهرون بصفة يمكن أن يطلق عليهم منها الاسم الذي قد وصف اللّٰه نفسه به و هو الاسم الغني و أبقوا لأنفسهم ظاهرا و باطنا الاسم الذي سماهم اللّٰه به و هو الفقير و قد علموا من هذا أن الفقر لا يكون إلا إلى اللّٰه الغني و رأوا الناس قد افتقروا إلى الأسباب الموضوعة كلها و قد حجبتهم في العامة عن اللّٰه و هم على الحقيقة ما افتقروا في نفس الأمر إلا إلى من بيده قضاء حوائجهم و هو اللّٰه قالوا فهنا قد تسمى اللّٰه بكل ما يفتقر إليه في الحقيقة و اللّٰه لا يفتقر إلى شيء فلهذا افتقرت هذه الطائفة إلى الأشياء و لم تفتقر إليهم الأشياء و هم من الأشياء و اللّٰه لا يفتقر إلى شيء و يفتقر إليه كل شيء فهؤلاء هم الملامية و هم أرفع الرجال و تلامذتهم أكبر الرجال يتقلبون في أطوار الرجولية و ليس ثم من حاز مقام الفتوة و الخلق مع اللّٰه دون غيره سوى هؤلاء فهم الذين حازوا جميع المنازل و رأوا أن اللّٰه قد احتجب عن الخلق في الدنيا و هم الخواص له فاحتجبوا عن الخلق لحجاب سيدهم فهم من خلف الحجاب لا يشهدون في الخلق سوى سيدهم فإذا كان في الدار الآخرة و تجلى الحق ظهر هؤلاء هناك لظهور سيدهم فمكانتهم في الدنيا مجهولة العين فالعباد متميزون عند العامة بتقشفهم و تبعدهم عن الناس و أحوالهم و تجنب معاشرتهم بالجسم فلهم الجزاء و الصوفية متميزون عند العامة بالدعاوي و خرق العوائد من الكلام على الخواطر و إجابة الدعاء و الأكل من الكون و كل خرق عادة لا يتحاشون من إظهار شيء مما يؤدي إلى معرفة الناس به قربهم من اللّٰه فإنهم لا يشاهدون في زعمهم إلا اللّٰه و غاب عنهم علم كبير و هذا الحال الذي هم فيه قليل السلامة من المكر و الاستدراج و الملامية لا يتميزون عن أحد من خلق اللّٰه بشيء فهم المجهولون حالهم حال العوام و اختصوا بهذا الاسم لأمرين الواحد يطلق على تلامذتهم لكونهم لا يزالون يلومون أنفسهم في جنب اللّٰه و لا يخلصون لها عملا تفرح به تربية لهم لأن الفرح بالأعمال لا يكون إلا بعد القبول و هذا غائب عن التلامذة و أما الأكابر فيطلق عليهم في ستر أحوالهم و مكانتهم من اللّٰه حين رأوا الناس إنما وقعوا في ذم الأفعال و اللؤم فيما بينهم فيها لكونهم لم يروا الأفعال من اللّٰه و إنما يرونها ممن ظهرت على يده فناطوا اللؤم و الذم بها فلو كشف الغطاء و رأوا أن الأفعال لله لما تعلق اللؤم بمن ظهرت على يده و صارت الأفعال عندهم في هذه الحالة كلها شريفة حسنة و كذلك هذه الطائفة لو ظهرت مكانتهم من اللّٰه للناس لاتخذوهم آلهة فلما احتجبوا عن العامة بالعادة انطلق عليهم في العامة ما ينطلق على العامة من الملام فيما يظهر عنها مما يوجب ذلك و كان المكانة تلومهم حيث لم يظهروا عزتها و سلطانها فهذا سبب إطلاق هذا اللفظ في الاصطلاح عليهم و هي طريقة مخصوصة لا يعرفها كل أحد انفرد بها أهل اللّٰه و ليس لهم في العامة حال يتميزون بها

[أن الحكيم من العباد هو الذي ينزل كل شيء منزلته]

و اعلم أن الحكيم

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست