responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 339

معين بالتأريخ عندي بمدينة تونس فجئت إشبيلية و بينهما مسيرة ثلاثة أشهر للقافلة فاجتمع بي إنسان لا يعرفني فأنشدنى بحكم الاتفاق تلك الأبيات عينها و لم أكن كتبتها لأحد فقلت له لمن هي هذه الأبيات فقال لي لمحمد بن العربي و سماني فقلت له و متى حفظتها فذكر لي التأريخ الذي عملتها فيه و الزمان مع طول هذه المسافة فقلت له و من أنشدك إياها حتى حفظتها فقال لي كنت جالسا في ليلة بشرق إشبيلية في مجلس جماعة على الطريق و مر بنا رجل غريب لا نعرفه كأنه من السياح فجلس إلينا فتحدث معنا ثم أنشدنا هذه الأبيات فاستحسناها و كتبناها فقلنا له لمن هذه الأبيات فقال لفلان و سماني لهم فقلنا له فهذه مقصورة ابن مثنى ما نعرفها ببلادنا فقال هي بشرقي جامع تونس و هنالك عملها في هذه الساعة و حفظتها منه ثم غاب عنا فلم ندر ما أمره و لا كيف ذهب عنا و ما رأيناه و لقد كنت بجامع العديس بإشبيلية يوما بعد صلاة العصر و شخص يذكر لي عن رجل كبير من أهل الطريق من أكابرهم اجتمع به في خراسان فذكر لي فضله و إذا بشخص أنظر إليه قريبا منا و الجماعة معي لا تراه فقال لي أنا هو هذا الشخص الذي يصفه لك هذا الرجل الذي اجتمع بنا في خراسان فقلت للرجل المخبر إن هذا الرجل الذي رأيته بخراسان أ تعرف صفته فقال نعم فأخذت أنعته له بآثار كانت فيه و حلية في خلقه فقال الرجل هو و اللّٰه على صورة ما وصفت هل رأيته فقلت له هو ذا جالس يصدقك عندي فيما تخبر به عنه و ما وصفته لك إلا و أنا أنظر إليه و هو عرفني بنفسه و لم يزل معي جالسا حتى انصرفت فطلبته فلم أجده و أما الأبيات التي أنشدنيها لي فهي هذه

مقصورة ابن مثنى أمسيت فيها معنى
بشادن تونسي حلوا للما يتمنى
خلعت فيه عذاري فأصبح الجسم مضنى
سألته الوصل لما رأيته يتجنى
و هز عطفيه عجبا كالغصن إذ يتثنى
و قال أنت غريب إليك يا هذا عنا
فذبت شوقا و يأسا و مت وجدا و حزنا
و هذا الصبي يقال له أحمد بن الإدريسي من تجار البلد كان أبوه و كان شابا صالحا يحب الصالحين و يجالسهم و فقه اللّٰه و كان هذا المجلس بيني و بينه سنة تسعين و خمسمائة و نحن الآن في سنة خمس و ثلاثين و ستمائة و فيه علم ما يحمد من الجدال و ما يذم منه و لا ينبغي لمسلم ممن ينتمي إلى اللّٰه أن يجادل إلا فيما هو فيه محق عن كشف لا عن فكر و نظر فإذا كان مشهودا له ما يجادل عنه حينئذ يتعين عليه الجدال فيه بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إذا كان مأمورا بأمر إلهي فإن لم يكن مأمورا فهو بالخيار فإن تعين له نفع الغير بذلك كان مندوبا إليه و إن يئس من قبول السامعين له فليسكت و لا يجادل فإن جادل فإنه ساع في هلاك السامعين عند اللّٰه و فيه علم قول الإنسان إنا مؤمن إن شاء اللّٰه مع علمه في نفسه في ذلك الوقت أنه مؤمن و هذه مسألة عظيمة الفائدة لمن نظر فيها تعلمه الأدب مع اللّٰه إذا لم يتعد الناطق بها الموضع الذي جعلها اللّٰه فيه فإن تعداه و لم يقف عنده أساء الأدب مع اللّٰه و لم ينجح له طلب و فيه علم الشيء الذي يذكرك بالأمر الذي كنت قد علمته ثم نسيته و فيه علم الزيادة في الزمان و النقصان لما ذا ترجع و

قول النبي ص قد يكون الشهر تسعا و عشرين لعائشة في إيلائه من نسائه و بما ذا ينبغي الأخذ من ذلك في الحكم الشرعي هل بأقل ما ينطلق عليه اسم الشهر أو بأكثر و فيه علم إيثار صحبة أهل اللّٰه على الغافلين عن اللّٰه و إن شملهم الايمان و فيه علم ما ينبغي لجلال اللّٰه أن يعامل به سواء أرضى العالم أم أسخطه و فيه علم المياه و هو علم غريب و ما حد الري منها في المرتوي من الماء الذي يروي فإن من الماء ما يروي و منه ما لا يروي و ما هو الماء الذي جعل اللّٰه منه كل شيء حي هل هو كل ماء أو له خصوص وصف من بين المياه و وصف الماء الذي خلق اللّٰه منه بنى آدم بالمهانة فقال خلقنا الإنسان مِنْ مٰاءٍ مَهِينٍ و فيه علم علامة من أسعده اللّٰه ممن أشقاه في الحياة الدنيا و فيه علم ما هي الدنيا في نفسها و ما حياتها و ما زينتها و فيه علم ما يبقى و ما يفنى و ما يقبل الفناء من العالم و ما يقبل البقاء و فيه علم صورة الإحاطة بما لا يتناهى و ما لا يتناهى لا يوصف بأنه محاط به لأنه يستحيل دخوله في الوجود و فيه علم أحوال الجان و تكليف الحق إياهم بالشرائع المنزلة من عنده هل هو تكليف ألزمهم الحق به ابتداء أو ألزموه أنفسهم فألزمهم الحق به كالنذر و فيه علم الفرق بين الفعل و المفعول و فيه علم من يقبل الإعانة في الفعل

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 339
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست