responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 310

المشركين وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّٰهُ فهو تنبيه عجيب و لما قيل لهم اُسْجُدُوا لِلرَّحْمٰنِ و ما رأوا له عينا و لا يعلمونه إلا مسمى اللّٰه و لم يعلموا أنه عين مسمى الرحمن فتخيلوا في الرحمن أنه شريك لله فأنكروا ذلك و لم ينكروا ذلك فيمن نصبوه إلها على ما قررناه لأنهم عالمون بأسماء من نصبوهم آلهة من دون اللّٰه فعلموا بأسمائهم أنهم ليسوا في الحقيقة في الألوهة مثله فإن له تعالى عندهم توحيد العظمة و الكبرياء و دلهم بالسجود للرحمن على عبادة غيب ف‌ قٰالُوا وَ مَا الرَّحْمٰنُ أَ نَسْجُدُ لِمٰا تَأْمُرُنٰا وَ زٰادَهُمْ نُفُوراً لأنهم ما علموا في الغيب إلا إلها واحدا فقال اللّٰه لنبيه ص اُدْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ فتعجبوا من ذلك غاية العجب لأنهم تخيلوا أن مسمى الرحمن ليس هو مسمى اللّٰه و إن كان لكل واحد الأسماء الحسنى و ذلك لما أعمى اللّٰه بصائرهم و كثف أغطيتهم فلم يعقلوا عن اللّٰه ما أراد بما أنزله في حقهم و جعل الحق ذلك أيضا مستندا لهم حيث جاء إليهم باسم يطلب مسمى لا يعرفون هذه العلامة له حين علم ذلك أهل اللّٰه و خاصته

فالله و الرب و الرحمن و الملك حقائق كلها في الذات تشترك
فالعين واحدة و الحكم مشترك لذا بدا الجسم و الأرواح و الفلك
و كلها أدوات بين خالقنا و بيننا و لهذا يضمن الدرك
جاءت بها رسل الرحمن قاطبة مع الكتاب الذي قد ساقه الملك

[إن العلم بالله طريقان]

و اعلم أن العلم بالله له طريقان طريق يستقل العقل بإدراكه قبل ثبوت الشرع و هو يتعلق بأحديته في الوهته و أنه لا شريك له و ما يجب أن يكون عليه إلا له الواجب الوجود و ليس له تعرض إلى العلم بذاته تعالى و من تعرض بعقله إلى معرفة ذات اللّٰه فقد تعرض لأمر يعجز عنه و يسيء الأدب فيه و عرض نفسه لخطر عظيم و هذا الطريق هو الذي قال فيه الخليل إبراهيم ع لقومه أُفٍّ لَكُمْ وَ لِمٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ فنبههم على إن العلم بالله من كونه إلها واحدا في الوهته من مدركات العقول فما أحالهم إلا على أمر يصح منه أن ينظر فيعلم ينظره ما هو الأمر عليه و الطريق الآخر طريق للشرع بعد ثبوته فأتى بما أتى به العقل من جهة دليله و هو إثبات أحدية خالقه و ما يجب له عز و جل و المسلك الآخر من العلم بالله العلم بما هو عليه في ذاته فوصفه بعد أن حكم العقل بدليله بعصمته فيما ينقله عن ربه من الخبر عنه سبحانه مع لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و إن لا يضرب له مثل بل هو الذي يضرب الأمثال لأنه يعلم و نحن لا نعلم فنسب إليه تعالى أمورا لا يتمكن للعقل من حيث دليله أن ينسبها إليه و لا يتمكن له ردها على من قام الدليل العقلي عنده على عصمته فأورثه ذلك حيرة بين الطريقين و كلا الطريقين صحيحان لا يقدر على الطعن على أحدهما فمن العقلاء من تأول تأويل تنزيه و تأييد و عضد تأويله ب‌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و بقوله وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ و من العقلاء من سلم علم ذلك إلى من جاء به أو إلى اللّٰه و من العقلاء من أهل اللسان من شبه و عذر اللّٰه كل طائفة و ما طلب من عباده في حقه إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في الوهته لا غير و أن لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ بما هي عليه من المعاني في اللسان و قرن النجاة و السعادة بمن وقف عند ما جاء من عنده عز و جل في كتبه و على ألسنة رسله ع

إذا أبان الحق عن نفسه بنفسه في كتبه فاعتقد
فما علينا من جناح به و ذلك العلم به فاعتقد
فإن حظ العقل من علمه به الذي ينفي وجود العدد
و إنه في شأنه واحد و إنه اللّٰه الذي لَمْ يَلِدْ
كذاك لَمْ يُولَدْ و لمن رامه بعقله عن فكره لا تزد
و برهان ذلك يا ولي اختلاف المقالات فيه من العقلاء النظار و اتفاق المقالات فيه من كل من جاء من عنده من رسول و نبي و ولي و كل مخبر عن اللّٰه و لو وقف العاقل من المؤمنين على معنى قوله في كتابه وَ لَمْ يُولَدْ و علم إن ما أنتجه العقل من فكره بتركيب مقدمتيه أن تلك النتيجة للعقل عليها ولادة و إنها مولودة عنه و هو قد نفى أن يولد فأين الايمان و ليس المولود إلا عينه بخلاف ما إذا أنتج العقل نسبة الأحدية له فما معقولية الأحدية للواحد عين من نسبت إليه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 310
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست