responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 309

في نفسه من الاستعداد فتخيلوا فيما ليس ببرهان أنه برهان على ما طلبوه فما اتخذوه إلها إلا عن برهان في زعمهم و هو قوله وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ لاٰ بُرْهٰانَ لَهُ بِهِ يعني في زعمه فدل على أنه من قام له برهان في نظره إنه غير مؤاخذ و إن أخطأ فما كان الخطاء له مقصودا و إنما كان قصده إصابة الحق على ما هو عليه الأمر و أصل هذا كله أن لا يعبد غيبا لأنه بالأصالة ما تعوده و لهذا

جاء جبريل ع ليعلم النبي ص و أصحابه ما هو الأمر عليه في صورة أعرابي فقال النبي ص أ تدرون من هذا أو قال ردوا على الرجل فالتمس فلم يجدوه فقال النبي ص لأصحابه لما أدبر هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم و كان فيما سأله إن قال له ما الإحسان فقال له النبي ص في الجواب أن تعبد اللّٰه كأنك تراه لما علم إن العبادة على الغيب تصعب على النفوس ثم تمم و قال فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي أحضر في نفسك أنه يراك و هو نوع آخر من الشهود من خلف حجاب تعلم أن معبودك يراك من حيث لا تراه و يسمعك فما أتانا الشرع في هذا كله إلا بما كان فيه لهؤلاء اغترار و إليه استناد و لذلك قال تعالى يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً و قال يُضِلُّ مَنْ يَشٰاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ و هو الذي يرزق الإصابة في النظر و الذي يرزق الخطاء فخرج من مضمون هذا كله إن العبادة لا تتعلق من العابد إلا بمشهود أو كالمشهود لا سبيل إلى الغيب و هذا من رحمة اللّٰه الخفية و ألطافه و ما خرج عمن ذكرناه إلا المقلدة فبهم ألحق الشقاء فجعل لهم الحق في الشرع المنزل مستندا من رحمته فيهم يستندون إليه فيه فقال فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ و أهل الذكر هم أهل القرآن فإن اللّٰه تعالى يقول إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ و هو القرآن و هم أهل الاجتهاد و منهم المصيب و المخطئ فإذا سأل المقلد من أخطأ من أهل الاجتهاد في نفس الأمر و عمل بما أفتاه فإنه مأجور لأنه مأمور بالسؤال فاستند مقلد و النظار الذين أخطئوا في نظرهم في الأصول مع توفية ما أداهم إليه استعدادهم فيما أفتوهم به من اتخاذهم الآلهة دون اللّٰه و إن لم ينظروا فإن اللّٰه ما كلف نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا و هو ما جعل فيها فعمت رحمته الأئمة و المأمومين فما في العالم إلا موحد أي مستند إلى واحد و قد علمت من هذا المساق ما الشرك و ما صفة المشرك و قد أعذرهم اللّٰه من وجه فقال لهم لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً هذا إذا قصد العبد فعل الذنب معتقدا أنه ذنب فكيف حال من لم يتعمد إتيان الذنب و اتخذ ذلك قربة لشبهة قامت له فهو أحق بالمغفرة و أما مؤاخذته أهل الشرك على القطع بقوله إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فهو ظاهر لقرينة الحال و أما من طريق اللسان فهو الواقع فإن اللّٰه ما ستر الشرك على أهل الشرك بل ظهروا به فهو إخبار بما وقع في الوجود من ظهور الشرك و ستر ما دون ذلك لمن يشاء أن يستر فإن ثم أمورا لم تظهر لعين و لا لعقل

كما جاء في وصف الجنة فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر و لكن قرائن الأحوال تدل على القطع بمؤاخذة المشركين ثم لم يذكر سبحانه ما هو الأمر عليه فيهم بعد المؤاخذة التي هي إقامة الحد عليهم في الآخرة يوم الدين الذي هو الجزاء فيدخلون النار مع بعض آلهتهم ليتحققوا مشاهدة أن تلك الآلهة لا تغني عنهم من اللّٰه شيئا لكونهم اتخذوها عن نظرهم لا عن وضع إلهي فانظر يا ولي في عدل اللّٰه و فضله فله الحمد على كل حال و هذا حمد نبوي صحيح فإن الثناء على كل حال من مشرك و غير مشرك فإن المشرك كما قلنا ما جعل العظمة و الكبرياء إلا لله و جعل الآلهة كالسدنة و الحجاب فما عبدوهم إلا من أجله و إن أخطئوا فيهم فما أخطئوا إلا في الأحدية فهم أيضا من الحامدين لله إذ كانوا أهل ثناء على اللّٰه بتوحيد عظمته و إيثاره على هؤلاء الحجبة فاجعل بالك لرحمة اللّٰه السابغة الواسعة التي بسطها اللّٰه على خلقه ترشد للحق إن شاء اللّٰه و أما اختلاف العقائد في اللّٰه في أصحاب الشرائع الإلهية و غيرهم فإن العالم لو آخذهم اللّٰه تعالى بالخطاء لآخذ كل صاحب عقيدة فيه فإنه قد قيد ربه بعقله و نظره و حصره و لا ينبغي لله إلا الإطلاق فإن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ فهو يقيد و لا يتقيد و لكن عفا اللّٰه عن الجميع فمن أراد إصابة الحق و إن يوفيه حقه و فقه لعلمه بسعته و اتساعه و أنه عند اعتقاد كل معتقد مشهود لا يصح أن يكون مفقودا عند اعتقاد المعتقد فإنه ربط اعتقاده به وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فصاحب هذا العلم يرى الحق دائما و في كل صورة فلا ينكره إذا أنكره من قيده و مع هذا فالله قد عفا عمن قيده بتنزيه أو تشبيه من أئمة الدين ثم انظر في شهادة اللّٰه عز و جل عند نبيه ص في حق

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 309
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست