responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 280

الذي من الخالق للمخلوق إذ لو انقطع عنه لفنى و لذلك جعل أهل اللسان الوصل في الكلام هو الأصل و الوقف عارض يطرأ في الكلام لضيق النفس الذي تبرزه القوة الدافعة فلو تمادى هلك فإذا خافت على المتنفس الهلاك جذبت القوة الجاذبة الهواء من خارج إلى داخل فكان بين انتهاء الدافعة و ابتداء الجاذبة وقف المتكلم للراحة فلهذا قلنا فيه إنه عارض و هو في النفس الإلهي من حيث ما هو نفس الرحمن ما يبتلي اللّٰه به عبده من الضيق و الحرج ثم ينفس عنه بالسعة فيقابل الشيء بضده و لا بد بين النقيضين إذا تعاورا على المحل من بهت يقوم بالمحل ذلك البهت هو المسمى وقفا في عالم الكلام و هذا من جوامع الكلم الذي هو جمع كلمة فما بين الكلمة و الكلمة يكون بهتا لكون النفس في الكلمتين عينا واحدة قال تعالى وَ كٰانَ اللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً إذا وقفت فعليما هو الذي في الغيب الإلهي و حكيما هو حكمه في الإنسان بما أمده اللّٰه به فإن وصله بكلام بعده قبضه اللّٰه إليه قَبْضاً يَسِيراً فعاد إلى غيبه فلم يظهر في الإنسان حكمه و هذا من أسرار الحق التي غاية العبارة عنها ما ذكرناه

[النيابة الأولى للإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية]

فالإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية لم يعطه اللّٰه هذا الكمال إلا ليكون بدلا من الحق و لهذا سماه خليفة و ما بعده من أمثاله خلفاء له فالأول وحده هو خليفة الحق و ما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذا الخليفة و بدل منه في كل أمر يصح أن يكون له و لهذا صحت له المقولات العشرة التي لا تقبل الزيادة على هذا العدد فهذه هي النيابة الأولى

[النيابة الثانية فهي إن ينوب الإنسان بذاته عن نصف الصورة من حيث روحانيتها]

و أما النيابة الثانية فهي إن ينوب الإنسان بذاته عن نصف الصورة من حيث روحانيتها لأن اللّٰه إذا تجلى في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا و معنى فالنيابة هنا الخاصة هي النيابة عن روح تلك الصورة المتجلي فيها و لا يكون ذلك إلا في حضرة الأفعال الإلهية التي تظهر في العالم على يد الإنسان من حيث ما هو مريد لفعل ما يريد أن يفعله في الحال أو المستأنف إذ لا يكون الفعل ماضيا إلا بعد ظهوره في الحال فينوب الإنسان عن اللّٰه تعالى في أفعال الحال كلها الظاهرة على يده و ليس لغير الإنسان هذه النيابة فإن الملك و الحيوان و المعدن و النبات ليس لهؤلاء إرادة تتعلق بأمر من الأمور إنما هم مع ما فطروا عليه من السجود لله و الثناء عليه فشغلهم به لا عنه و الإنسان له الشغل به و عنه و الشغل عنه هو المعبر عنه بالغفلة و النسيان فالحق هنا دائرة من حيث جمع الصورة بين المعنى الروحاني و الظاهر للبصر فهذا الإنسان في هذه النيابة إنما هو نائب عما يتعلق من الأفعال بروحانية تلك الصورة و عالم الأرواح أخف من عالم الأجسام و لخفته يسرع بالتحول في الصور من غير فساد العين و عالم الأجسام ليس كذلك

[النيابة الثالثة في تحقيق الأمر الذي قام بالممكن]

و اعلم أن النيابة الثالثة في تحقيق الأمر الذي قام بالممكن حتى أخرجه من العدم إلى الوجود فإن ذلك نيابة عن المعنى الذي أوجب للحق أن يوجد هذا الممكن المعين و لم يكن أوجده قبل ذلك سواء كان روحا مثلا أو جسما فاعلم إن الأفعال الصادرة عن المريد لها من الأمثال نيابة في الظاهر عن اللّٰه في صدور الممكنات عنه و لا يكون نائبا عنه تعالى حتى يكون من استخلفه و استنابه سمعه و بصره و يده و جميع قواه و متى لم يكن بهذه الصفة فما هو نائب و لا خليفة فإن الممكنات في حال عدمها بين يدي الحق ينظر إليها و يميز بعضها عن بعض بما هي عليه من الحقائق في شيئية ثبوتها ينظر إليها بعين أسمائه الحسنى كالعليم و الحفيظ الذي يحفظ عليها بنور وجوده شيئية ثبوتها لئلا يسلبها المحال تلك الشيئية و لهذا بسط الرحمة عليها التي فتح بها الوجود فإن ترتيب إيجاد الممكنات يقضي بتقدم بعضها على بعض و هذا ما لا يقدر على إنكاره فإنه الواقع فالدخول في شيئية الوجود إنما وقع مرتبا بخلاف ما هي عليه في شيئية الثبوت فإنها كلها غير مرتبة لأن ثبوتها منعوت بالأزل لها و الأزل لا ترتيب فيه و لا تقدم و لا تأخر و لما كان في الأسماء الإلهية عام و أعم و خاص و أخص صح في الأسماء الإلهية التقدم و التأخر و الترتيب فبهذا قبلت شيئيات الوجود الترتيب فما من وقت يمر عليك هنا لا يظهر فيه ممكن معين ثم يظهر في الوقت الثاني إلا و بقاؤه في شيئية ثبوته مرجح في الوقت الذي لم تقم به شيئية وجوده إذ لو لم يكن مرجحا لوجد في الوقت الذي قلنا إنه مر عليه فلم يوجد فيه فصار بقاء كل ممكن مرجحا في حال عدمه و إن كان العدم له أزلا كما إن قبوله لشيئية وجوده مرجح و هذا من أعجب دقائق المسائل إن فكرت فيه فتوقف حكم الإرادة على حكم العلم و لهذا قال إِذٰا أَرَدْنٰاهُ فجاء بظرف

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 280
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست