responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 240

ما لها من الحق قبله فوفى ذلك الفعل حقه فإن كان من الأمور المأمور بفعلها أعطاها حقها في نشأتها حتى تقوم سوية الخلق معدلة النشء فلم يتوجه لذلك الفعل حق على فاعله فلله الخلق و للعبد الحق فالحق أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و الخلق أعطى كل شيء حقه فدخل الحق في الخلق و دخل الخلق في الحق في هذه المسألة و إن كان من الأمور المنهي عنها فحقها على هذا العبد أنه لا يوجدها و لا يظهر لها عينا أصلا فإن لم يفعل فما وفاها حقها و توجهت عليه المطالبة لها فلم يعط كل شيء حقه فلم يقم في الحق مقام الحق في الخلق فكان محجوجا فهكذا ينبغي أن تعرف الأمور و الأوامر الإلهية و صورة التروك في الجناب الإلهي هو الذي لم يوجد من أحد الممكنين لوجود الآخر المرجح وجوده فهو من حيث إنه لم يوجد ترك له و هذه مسألة نبهناك عليها لعلمنا أنك ما تجدها في غير هذا الكتاب لأنها عزيزة التصور قريبة المتناول لمن اعتنى اللّٰه به تعطي الأدب مع اللّٰه و حفظ الشريعة على عباد اللّٰه و هي من الأسرار المخزونة عند اللّٰه التي لا تظهر إلا على العارفين بالله و لا ينبغي كتمها عن أحد من خلق اللّٰه فإن كتمها العالم بها فقد غش عباد اللّٰه و من غشنا فليس منا أي ليس من سنتنا الغش و لما وقفنا على هذه المسألة في كتاب الرحمة الإلهية الذي هو سرح عيون قلوب العارفين شكرنا اللّٰه تعالى حيث رفع الغطاء و أجزل العطاء فله الحمد و المنة و إذا قام العبد صورة ما ذكرناه من كونه خلاقا تعين عليه من تمام الصورة الإلهية التي هو عليها أن يحفظ على ما أوجده صورته ليكون له البقاء أعني لذلك الموجود عنه فيدفعه لمن يحفظ البقاء عليه و هو اللّٰه فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً في ذلك الأمر و أمثاله عن أمر ربه فلا ينسب إلى سوء الأدب في ذلك فالعبد في كل نفس مشغول بخلق ما أمر بخلقه و الحق بتوكيل هذا العبد له قائم بحفظ ما خلقه بإذن ربه في الخلق و التوكيل و هذا علم دقيق إلهي و هو رد الحفظ إلى اللّٰه بحكم الوكالة عن أمر اللّٰه و إيجاد الأشياء عن العبد بأمر اللّٰه فلم يزل هذا العبد في كل حال تحت أمر اللّٰه و من لم يزل تحت أمر اللّٰه في جميع أحواله لم يزل عند اللّٰه في شهوده أبدا دائما دنيا و آخرة فإنه له النشء حيث كان في الأولى و الآخرة عن أمر اللّٰه قال تعالى في حق عيسى وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي و كذلك أمر المكلف بالعمل فما عمل إلا بإذن اللّٰه و موطن هذا العبد و استقراره إنما هو عند ربه من حيث هو خير و أبقى و هو الآخرة التي هي خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ و لَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولىٰ وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ و هو عطاء كُنْ في ظاهر العين كما هو له في الباطن فإن الإنسان له في باطنه قوة كن و ما له منها في ظاهره إلا الانفعال و في الآخرة يكون حكم كن منه في الظاهر و قد يعطي لبعض الناس في الدنيا و ليس لها ذلك العموم فمن رجال اللّٰه من أخذ بها و من رجال اللّٰه من تأدب مع اللّٰه فيها لعلمه أن هذا ليس بموطن لها و لا سيما و قد رأى الأكابر الذين لا خلاف في تقدمهم عليه و علينا قد قيل له إِنَّكَ لاٰ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ و قيل له أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّٰارِ لأنه إذا أسلم فليس من أهل النار فلما رآها رجال اللّٰه غير عامة الحكم في هذه الدار جعلوا حكم ما لا تعم إلى حكم ما تعمه فترك الكل إلى موطنه و هذه حالة الأدباء العلماء بالله الحاضرين معه على الدوام فالأديب خلاق في هذه الدار بالعمل لا بكن بل ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم ليسلم في عمله من مشاركة الشيطان حيث أمره اللّٰه بالمشاركة في الأموال و الأولاد فهو ممتثل هذا الأمر الإلهي حريص عليه و نحن مأمورون باتقائه في هذه المشاركة فطلبنا ما نتقيه به لكونه غيبا عنا لا نراه فأعطانا اللّٰه اسمه فلما سمينا اللّٰه على أعمالنا عند الشروع فيها توحدنا بها و عصمنا من مشاركة الشيطان فإن الاسم الإلهي هو الذي يباشره و يحول بيننا و بينه و إن بعض أهل الكشف ليشهدون هذه المدافعة التي بين الاسم الإلهي من العبد في حال الشروع و بين الشيطان و إذا كان العبد بهذه الصفة كان على بينة من ربه و فاز و نجا من هذه المشاركة و كان له البقاء في الحفظ و العصمة في جميع أعماله و أحواله و هذا المنزل يحوي على علوم منها علم الفرق بين الدليل و الآية و أن صاحب الآية هو الأولى بنسبة الحكمة إليه و بالاسم الحكيم من صاحب الدليل فإن الآية لا تقبل الشبهة و لا تكون إلا لأهل الكشف و الوجود و ليس الدليل كذلك و فيه علم الاختراع الدائم و لا يكون في الأمثال إلا فيما تتميز به بعضها عن بعض ذلك القدر هو حكم الاختراع فيها و ما وقع فيه الاشتراك فليس بمخترع فافهم و فيه علم الخواص و فيه علم السبب الذي لأجله لا يرفع العالم بما علمه رأسا مع تحققه أن ذلك الوضع له يضره و فيه علم الفرق بين قول الإنسان في الشيء نعم بفتح العين و بين كسرها و أين يقول

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 240
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست