responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 239

ما يوحى إليه و غير الرسول يحس بأثره و لا يراه رؤية بصر فيلهمه اللّٰه به ما شاء أن يلهمه أو يعطيه من الوجه الخاص بارتفاع الوسائط و هو أجل الإلقاء و أشرفه و هو الذي يجتمع فيه الرسول و الولي أيضا فأصابع الرحمن للوجه الخاص و لمة الملك للوجه المشترك و الإلهام إلهي أكثره لا واسطة فيه فمن عرفه عرف كيف يأخذه و محله النفس قال تعالى فَأَلْهَمَهٰا فالفاعل هويته فهو الملهم لا غيره فُجُورَهٰا ليعلمه لا ليعمل به وَ تَقْوٰاهٰا ليعلمه و يعمل به فهو إلهام إعلام لا كما يظنه من لا علم له و لذلك قال وَ قَدْ خٰابَ مَنْ دَسّٰاهٰا و الدس إلحاق خفي بازدحام فالحق العمل بالفجور بالعمل بالتقوى و ما فرق في موضع التفريق فجمع بينهما في العلم و العمل و الأمر ليس كذلك و سبب جهله بذلك أنه رمى ميزان الشرع من يده فلو لم يضع الميزان من يده لرأى أنه مأمور بالتقوى منهي عن الفجور مبين له الأمران معا و لما أضاف اللّٰه الفجور لها و التقوى علمنا أنه لا بد من وقوعهما في الوجود من هذه النفس الملهمة و كان الفجور لها ما انفجر لها عن تأويل تأولته فما أقدمت على المخالفة انتهاكا للحرمة الإلهية و لا يتمكن لها ذلك و كان هذا من رحمة اللّٰه بالأنفس و لما كان الفجر فجرين فجر كاذب و فجر صادق و هو الفجر المستطيل الكاذب ألهمها تقواها أي تتقي في فجورها الفجر المستطيل لأنه يستطيل عليها بالأولية لتاخر المستطير الذي يطير حكمه عنها فألهمها في فجورها الفجر المستطيل فتبين لها بهذا الانفجار ما هو المشكوك فيه من غير المشكوك و تقواها و ما تتقي به ما يضرها حكمه فيها فلو لا ما مكنها مما تتقي به و هو المعنى الذي ألهمها لتتنبه النفس على استعماله فتفرق ما بين الشبهة و الدليل ما تمكنت من الفرق بينهما فإن اللّٰه سبحانه كما لم يأمر بالفحشاء لم يلهم العبد العمل بالفحشاء كما يراه بعضهم و لو ألهمه العمل بالفحشاء لما قامت الحجة لله على العبد بل هذه الآية مثل قوله وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ أي الطريقين بيناهما له فقال إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ أي بينا له إِمّٰا شٰاكِراً فيعمل في السبيل بمقتضاه إن كان نهيا انتهى و إن كان أمرا فعل وَ إِمّٰا كَفُوراً يقول يستر على نفسه فيخادعون أنفسهم فإنه ما ضل أحد إلا على علم فإن بيان الحق ليس بعده بيان و لا فائدة للبيان إلا حصول العلم ثم يستره العالم به عن نفسه لغرض يقوم له فتقوم الحجة لله عليه فالإلهام إعلام إلهي فمن زكى نفسه بالتقوى فاتقى من الفجور ما ينبغي أن يتقى منه و أخذ منه ما ينبغي أن يؤخذ منه و من دس نفسه في موضع قيل له لا تدخل منه فقد خاب فمن أراد طريق العلم و السعادة فلا يضع ميزان الشرع من يده نفسا واحدا فإن اللّٰه بيده الميزان لا يضعه يخفض القسط و يرفعه و هو ما هو الوجود عليه من الأحوال فلو وضع الحق الميزان من يده لفنى العالم دفعة واحدة عند هذا الوضع و كذلك ينبغي للمكلف بل للإنسان أن لا يضع الميزان المشروع من يده ما دام مكلفا لأنه إن وضعه من يده نفسا واحدا فنى الشرع كله كما فنى العالم لو وضع الحق الميزان من يده فإن كل حركة في المكلف و من المكلف و سكون لميزان الشرع فيه حكم فلا يصح وضعه مع بقاء الشرع فهذا الميزان له من كونه مكلفا و أما الميزان الآخر الذي لا ينبغي أن يضعه الإنسان لا من كونه مكلفا بل هو بيده دنيا و آخرة فذلك هو ميزان العلم الذي ميزان الشرع حكم من أحكامه و هو مثل الميزان الذي بيد الحق فبه يشهد وزن الحق فنسبته إلى ميزان الحق نسبة شخص بيده ميزان و شخص آخر بيده مرآة فرأى في مرآته التي في يده صورة ذلك الميزان و الوزان و الوزن فعلم صورة الأمر من شهوده في وجوده و كان هذا الأمر من ورائه غيبا له لو لا المرآة ما شهده فأضاف ما رآه في مرآته إليه لكون مرآته ليس غيره فالغيب الذي يزن و الوزن و الميزان حضرة الحق و المرآة حضرة الإنسان فالوزن لله تعالى و الشهود لمن كانت نفسه مرآة فهو السعيد الصادق و إنما كشف اللّٰه هذا السر لمن كشفه ليري في مرآته صورة الخلق الإلهي و كيف صدور الأشياء و ظهورها في الوجود من عنده و هو قول أبي بكر الصديق رضي اللّٰه عنه ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله فيرى من أين صدر ذلك الشيء فيكون صاحب هذا الكشف خلاقا و هو الذي أراده الحق منه بهذا الكشف بل يعلم أنه خلاق من هذا الكشف و لم يزل كذلك و هو لا يشعر فأفاده هذا الكشف العلم بما هو الأمر عليه لا أنه بالكشف صار خلاقا فأمره اللّٰه عند ذلك أن يعطي كل شيء حقه من صورته كما أعطاه اللّٰه خلقه في صورته فلا تتوجه عليه مطالبة لمخلوق كما لا يتوجه على الحق تعالى مطالبة لمخلوق هذا ما أعطاه ذلك الكشف من الفائدة فإذا أقامه الحق تعالى في فعل من أفعاله المأمور بها أو المحجور عليه فيها نظر إلى

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست