responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 191

فإن القوة الإلهية محلها الممكنات على الإطلاق و القوة الحادثة محلها بعض الممكنات فإذا حصرت أجناس العالم الممكن و سميت ما للقوة من الممكنات علمت على القطع مقدار ذلك من القوة الإلهية و فيه علم الفرق بين التسخير العالم و التسخير الخاص و هل كون الحق كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ و سَنَفْرُغُ لَكُمْ هل هو من علم التسخير و بابه أو هو من حقيقة أخرى فإن السيد بصورة الحال يقوم بما يحتاج إليه بعده فهو تسخير دقيق يعطى كمالا في السيد فإن العبد ليست منزلته أن يسخر سيده و منزلة العبد أن يكون مسخرا تحت تسخير سيده بالحالين تسخير بأمر سيده و تسخير بنفسه من ذاته لكونه عبدا و قد يسخر لغير سيده من أمثال سيده و من أمثاله بطرق مختلفة منها ما يكون تسخيره لذلك الغير عن أمر سيده و منها ما يكون بطريق المروءة مع المسخر له بفتح الخاء و منه ما يكون عادة لاستصحاب التسخير له من كونه عبدا فصار له ذلك ديدنا يحكم عليه فيتسخر لغير سيده بحكم العادة لا بالمروءة و لا بأمر السيد و فيه علم نظر العالم كله إلى هذا الإنسان هل ينظر إليه من كونه خليفة أو ينظر إليه من حيث ما عنده من الأمانات له ليؤديها إليه فهو مرسل من الحق بحكم الجبر لا بحكم الاختيار لأنه ما خلق بالأصالة إلا لتسبيح خالقه و فيه علم ما تقع به العناية الإلهية للعبد و ما يعطيه ذلك الاعتناء من المنزلة و العلم و فيه علم الإجمال و التفصيل و فيه علم دقيق و هو

أن آدم ع أعطى لداود من عمره ستين سنة حين رأى صورته بين إخوته فأحبه فقبل ذلك داود فجحد آدم بعد ذلك ما أعطاه فانكسر قلب داود عند ذلك فجبره اللّٰه بذكر لم يعطه آدم فقال في آدم إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً و ما عينه باسمه و لا جمع له بين أداة المخاطب و بين ما شرفه به فلم يقل له و علمتك الأسماء كلها و قال في خلافة داود يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فسماه فلما علم اللّٰه أن مثل هذا المقام و الاعتناء يورثه النفاسة على أبيه آدم فإنه على كل حال بشر يكون منه ما يكون من البشر و ما عرف قدر هذا إلا رسول اللّٰه ص

فقال إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر يعني لنفسه و لحق غيره و أرضى كما يرضى البشر يعني لنفسه و لغيره و كان هذا من التأديب الإلهي الذي أدبه به ربه تعالى فيما أوحى به إليه فقال له قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أي حكم البشرية في حكمها فيكم فلما أراد اللّٰه تأديب داود لما يعطيه الذكر الذي سماه اللّٰه به من النفاسة على أبيه و لا سيما و قد تقدم من أبيه في حقه ما تقدم من الجحد لما امتن به عليه لكون الإنسان إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً غير إن آدم ما جحد ما جحده إلا لعلمه بمرتبته حيث جعله اللّٰه محلا لعلم الأسماء الإلهية التي ما أثنت الملائكة على اللّٰه بها و لم تعط بعده إلا لمحمد ص و هو العلم الذي كني عنه بأنه جوامع الكلم فعلم آدم أن داود في تلك المدة التي أعطاه من عمره لا يمكن أن يعبد اللّٰه فيها إلا على قدر كماله و هو أنقص من آدم في المرتبة بلا شك لسجود الملائكة و ما علمهم من الأسماء فطلب آدم أن يكون له العمر الذي جاد به على ابنه داود ع ليقوم فيه بالعبادة لله على قدر علو مرتبته على ابنه داود و غيره مما لا يقوم بذلك داود فإذا قام بتلك العبادة في ذلك الزمان المعين وهب لابنه داود أجر ما تعطيه تلك العبادة من مثل آدم و لو ترك تلك المدة لداود لم تحصل له رتبة هذا الجزاء و حصل لآدم ع من اللّٰه على ذلك رتبة جزاء من آثر على نفسه فإنه يجري بجزاء مثل هذا لم يكن يحصل له لو لم يكن ترك تلك المدة لداود فكما أحبه في القبضة حين أعطاه من عمره ما أعطاه كذلك من حبه رجع في ذلك ليعطيه جزاء ما يقع في تلك المدة من آدم من العمل و لا علم لداود بذلك فلما جبره اللّٰه بذكر اسمه في الخلافة قال له من أجل ما ذكرناه من تطرق النفاسة التي في طبع هذه النشأة و إليه لاٰ تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ فحذره فشغله ذلك الحذر عن الفرح بما حصل له من تعيين اللّٰه له باسمه و لكن قد حصل له الفرح و أخذ حظه منه قبل إن يصل إليه زمان وَ لاٰ تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لا عن اللّٰه فأمر بمراقبة السبيل ثم تأدب اللّٰه معه حيث قال له إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذٰابٌ شَدِيدٌ بِمٰا نَسُوا و لم يقل فإنك إن ضللت عن سبيل اللّٰه لك عذاب شديد و هذا علم شريف و في هذا المنزل علم أصحاب الكشف أنه ليس من حقيقة الكشف أن يعلمه المكاشف في كل صورة بل ذلك على قدر ما يريده الحق فيستر عنه ما شاء و يطلعه على ما شاء فليس من شأن المكاشف نفوذ بصره في كل صورة تتجلى له بل تقوم له تلك الصورة التي لا يدري ما هي مقام كثافة الصورة عن إدراك الحس البشري لما خطر في

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 191
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست