responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 189

جبرا لقلوبهم لما فقدوه من مشاهدة الرسول ص و كان خيرا لهم فإنهم لا يعرفون كيف كانت تكون أحوالهم عند المشاهدة هل يغلبهم الحسد أو يغلبونه ف‌ كَفَى اللّٰهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتٰالَ وَ كٰانَ اللّٰهُ قَوِيًّا عَزِيزاً فاعرف يا ولي منزلتك من هذه الصورة الإنسانية التي محمد ص روحها و نفسها الناطقة هل أنت من قواها أو من محال قواها و ما أنت من قواها هل بصرها أم سمعها أم شمها أم لمسها أم طعمها فإني و اللّٰه قد علمت أي قوة أنا من قوى هذه الصورة لله الحمد على ذلك و لا تظن يا ولي أن اختصاصنا في المنزلة من هذه الصورة بمنزلة القوي الحسية من الإنسان بل من الحيوان إن ذلك نقص بنا عن منزلة القوي الروحانية لا تظن ذلك بل هي أتم القوي لأن لها الاسم الوهاب لأنها هي التي تهب للقوى الروحانية ما تتصرف فيه و ما يكون به حياتها العلمية من قوة خيال و فكر و حفظ و تصور و وهم و عقل و كل ذلك من مواد هذه القوي الحسية و لهذا

قال اللّٰه تعالى في الذي أحبه من عباده كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و ذكر الصورة المحسوسة و ما ذكر من القوي الروحانية شيئا و لا أنزل نفسه منزلتها لأن منزلتها منزلة لافتقار إلى الحواس و الحق لا ينزل منزلة من يفتقر إلى غيره و الحواس مفتقرة إلى اللّٰه لا إلى غيره فنزل لمن هو مفتقر إليه لم يشرك به أحدا فأعطاها الغني فهي يؤخذ منها و عنها و لا تأخذ هي من سائر القوي إلا من اللّٰه فاعرف شرف الحس و قدره و أنه عين الحق و لهذا لا تكمل النشأة لآخرة إلا بوجود الحس و المحسوس لأنها لا تكمل إلا بالحق فالقوى الحسية هم الخلفاء على الحقيقة في أرض هذه النشأة عن اللّٰه أ لا تراه سبحانه كيف وصف نفسه بكونه سميعا بصيرا متكلما حيا عالما قادرا مريدا و هذه كلها صفات لها أثر في المحسوس و يحس الإنسان من نفسه بقيام هذه القوي به و لم يصف سبحانه نفسه بأنه عاقل و لا مفكر و لا متخيل و ما أبقى له من القوي الروحانية إلا ما للحس مشاركة فيه و هو الحافظ و المصور فإن الحس له أثر في الحفظ و التصوير فلو لا الاشتراك ما وصف الحق بهما نفسه فهو الحافظ المصور فهاتان صفتان روحانية و حسية فتنبه لما نبهناك عليه لئلا ينكسر قلبك لما أنزلتك منزلة القوي الحسية لخساسة الحس عندك و شرف العقل فأعلمتك إن الشرف كله في الحس و إنك جهلت أمرك و قدرك فلو علمت نفسك علمت ربك كما إن ربك علمك و علم العالم بعلمه بنفسه و أنت صورته فلا بد أن تشاركه في هذا العلم فتعلمه من علمك بنفسك و هذه نكتة ظهرت من رسول اللّٰه ص

حيث قال من عرف نفسه عرف ربه إذ كان الأمر في علم الحق بالعالم علمه بنفسه و هذا نظير قوله تعالى سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فذكر النشأتين نشأة صورة العالم بالآفاق و نشأة روحه بقوله وَ فِي أَنْفُسِهِمْ فهو إنسان واحد ذو نشأتين حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ للرائين أَنَّهُ الْحَقُّ أي أن الرائي فيما رآه الحق لا غيره فانظر يا ولي ما ألطف رسول اللّٰه ص بأمته و ما أحسن ما علمهم و ما طرق لهم فنعم المدرس و المطرق جعلنا اللّٰه ممن مشى على مدرجته حتى التحق بدرجته آمين بعزته فإن كنت ذا فطنة فقد أومأنا إليك بما هو الأمر عليه بل صرحنا بذلك و تحملنا في ذلك ما ينسب إلينا من ينكر ما أشرنا به في هذه المسألة من العمي الذين يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غٰافِلُونَ و و اللّٰه لو لا هذا القول لحكمنا عليهم بالعمى في ظاهر الحياة الدنيا و الآخرة كما حكم اللّٰه عليهم بعدم السماع مع سماعهم في قوله تعالى ناهيا وَ لاٰ تَكُونُوا كَالَّذِينَ قٰالُوا سَمِعْنٰا وَ هُمْ لاٰ يَسْمَعُونَ مع كونهم سمعوا نفى عنهم السمع و هكذا هو علم هؤلاء بظاهر الحياة بما تدركه حواسهم من الأمور المحسوسة لا غير لأن الحق تعالى ليس سمعهم و لا بصرهم فلنذكر ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم إن شاء اللّٰه فمن ذلك علم عطش العالم الذي لا يقبل معه الري من العلم بالله و فيه علم استناد هذه العلم الذي أعطاه هذا التعطش إلى حضرة الجمع الذي فيه عين الفرقة و فيه علم ما يحصل بالذكر هل هو علم ما نسيه أو مثله لا عينه لشبهة في الصورة فإنه كان عالما بأمر ثم نسيه لما تعطيه نشأته فلم تحفظ عليه صورة علمه بذلك المعلوم ثم ذكره بعد ذلك فهل ما شاهده في ذكره عين ما نسيه أو مثله فإن الزمان قد اختلف عليه مع شبه الزمان بعضه ببعضه فأنت تعلم أن عين أمس ما هو عين اليوم و لا عين غد مع شبهه به في الصورة فمن أي قبيل هو علم الذكر فإن كان هو عينه فمن حفظه حتى ذكره و أين خزانة حفظه هل هي في الناسي و لا ندري أو لها موضع آخر تحفظ فيه زمان نسيانه فإذا تذكر كان عين

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست