responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 188

و كذلك هو في نفس الأمر لو لم تبق آنية و لا يبقى منزل لأنه لما أراد اللّٰه بقاء هذه الأنوار على ما قبلته من التمييز خلق لها أجسادا برزخية تميزت فيها هذه الأرواح عند انتقالها عن هذه الأجسام الدنياوية في النوم و بعد الموت و خلق لها في الآخرة أجساما طبيعية كما جعل لها في الدنيا ذلك غير إن المزاج مختلف فنقلها عن جسد البرزخ إلى أجسام نشأة الآخرة فتميزت أيضا بحكم تميز صور أجسامها ثم لا تزال كذلك أبد الآبدين فلا ترجع إلى الحال الأول من الوحدة العينية أبدا فانظر ما أعجب صُنْعَ اللّٰهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ فالعالم اليوم كله نائم من ساعة مات رسول اللّٰه ص يرى نفسه حيث هي صورة محمد ص إلى أن يبعث و نحن بحمد اللّٰه في الثلث الأخير من هذه الليلة التي العالم نائم فيها و لما كان تجلى الحق في الثلث الأخير من الليل و كان تجليه يعطي الفوائد و العلوم و المعارف التامة على أكمل وجوهها لأنها عن تجل أقرب لأنه تجل في السماء الدنيا فكان علم آخر هذه الأمة أتم من علم وسطها و أولها بعد موت رسول اللّٰه ص لأن النبي ص لما بعثه اللّٰه بعثه و الشرك قائم و الكفر ظاهر فلم يدع القرن الأول و هو قرن الصحابة إلا إلى الايمان خاصة ما أظهر لهم مما كان يعلمه من العلم المكنون و أنزل عليه القرآن الكريم و جعله يترجم عنه بما يبلغه أفهام عموم ذلك القرن فصور و شبه و نعت بنعوت المحدثات و أقام جميع ما قاله من صفة خالقه مقام صورة حسية مسواة معدلة ثم نفخ في هذه الصورة الخطابية روحا لظهور كمال النشأة فكان الروح لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّٰا يَصِفُونَ و كل آية تسبيح في القرآن فهو روح صورة نشأة الخطاب فافهم فإنه سر عجيب فلاح من ذلك لخواص القرن الأول دون عامته بل لبعض خواصه من خلف خطاب التنزيه أسرار عظيمة و مع هذا لم يبلغوا فيها مبلغ المتأخرين من هذه الأمة لأنهم أخذوها من مواد حروف القرآن و الأخبار النبوية فكانوا في ذلك بمنزلة أهل السمر الذين يتحدثون في أول الليل قبل نومهم فلما وصل زمان ثلث هذه الليلة و هو الزمان الذي نحن فيه إلى أن يطلع الفجر فجر القيامة و البعث و يوم النشر و الحشر تجلى الحق في ثلث هذه الليلة و هو زماننا فأعطى من العلوم و الأسرار و المعارف في القلوب بتجليه ما لا تعطيه حروف الأخبار فإنه أعطاها في غير مواد بل المعاني مجردة فكانوا أتم في العلم و كان القرن الأول أتم في العمل و أما الايمان فعلى التساوي فإن هذه النشأة لما فطرت على الحسد و بعث فيها نبي من جنسها فما آمن به إلا قوي على دفع نفسه لما فيها من الحسد و حب التفوق و النفور من الحكم عليها و لا سيما إذا كان الحاكم عليها من جنسها تقول بما ذا فضل علي حتى يتحكم في بما يريده فينسب إلى المؤمن من الصحابة من القوة في الايمان ما لا ينسب إلى من ليست له مشاهدة تقدم جنسه عليه فكان اشتغالهم بدفع قوة سلطان الحسد أن يحكم فيهم بالكفر يمنعهم من إدراك غوامض العلوم و أسرار الحق في عباده و لم تحصل له رتبة الايمان بغيب صورة الرسول و ما جاء به لكونهم مشاهدين له و لصورة ما جاء فلما جاء زماننا و وجدنا أوراقا مكتوبة سوادا في بياض و أخبارا منقولة و وجدنا القبول عليها ابتداء لا نقدر على دفعه من نفوسنا إذا وفقنا اللّٰه علمنا إن قوة نور الايمان أعطى ذلك و لم نجد ترددا و لا طلبنا آية و لا دليلا على صحة ما وجدناه مكتوبا من القرآن و لا منقولا من الأخبار فعلمنا على القطع قوة الايمان الذي أعطانا اللّٰه عناية منه و كنا في هذه الحالة مؤمنين بالغيب الذي لا درجة للصحابة فيه و لا قدم كما لم يكن لنا قدم في الايمان الذي غلب ما يعطيه سلطان الحسد عند المشاهدة فقابلنا هذه القوة بتلك القوة فتساويا و بقي الفضل في العلم حيث أخذناه من تجلى هذه الليلة المباركة التي فاز بها أهل ثلثها مما لا قدم للثلثين الماضيين من هذه الليلة فيها

[إن تجلى اللّٰه في الثلث الليل الأخير]

ثم إن تجليه سبحانه في ثلث الليل من هذه الليالي الجزئية التي يعطيها الجديد إن في

قوله إن ربنا ينزل كل ليلة في الثلث الأخير منها إلى السماء الدنيا فيقول هل من تائب هل من مستغفر هل من سائل حتى ينصدع الفجر فقد شاركنا المتقدمين في هذا النزول و ما يعطيه غير أنه تجل منقطع و تجلى ثلث هذه الليلة التي نحن في الثلث الأخير منها و هي من زمان موت رسول اللّٰه ص إلى يوم القيامة لم يشاركنا في هذا الثلث أحد من المتقدمين فإذا طلع فجرها و هو فجر القيامة لم ينقطع التجلي بل اتصل لنا تجليه فلم يزل بأعيننا فنحن بين تجل دنياوي و أخراوي و عام و خاص غير منقطع و لا محجوب و في الليالي الزمانية يحجبه طلوع الفجر فحزنا ما حازوه في هذه الليالي و فزنا بما حصل لنا من تجلى ثلث هذه لليلة المباركة التي لا نصيب لغير أهلها

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست