responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 177

البتة و لا يأخذ أبدا إلا عن الأرواح و العقول الملكية أخذ حال لا أخذ نطق إلا أن تجسد له في خياله أمر يخاطبه و صاحب الطريقة الشرعية يقلد الشارع فيما أخبره به من أنه ما ثم إله بينه و بين العالم مناسبة و إنه تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و لا يشبه شيئا من العالم أعلاه و أسفله و مع هذا كله فله عين و أعين و يد و يدان و وجه و كلام و نزول و استواء و فرح و معية مع عباده بالصحبة و قرب و بعد و إجابة لمن دعاه و رحمة و أن العالم كله عبيد له خلقهم و فضل بعضهم على بعض و أن له غصبا و أن له خلفاء في الأرض من هذا النوع الإنساني فعند ما سمع ذلك و علم إن ثم خليفة من نوعه تشوف إلى تلك المرتبة أن ينالها و رأى الطريق التي شرعها شارع وقته و خاطبه بها و رأى جميع ما كان يفعله صاحب تلك النفس التي فكرت بنظرها قد حرضها هذا الشارع عليه و حمده و قال به فأخذ به هذا المؤمن من حيث إن هذا الشارع جاء به و علق الهمة بربه الذي أوجده لما أعلمه الشارع أنه المنتهى فقال له وَ أَنَّ إِلىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهىٰ و ليس وراء اللّٰه مرمى فجعله موضع غايته و سلك سلوك المفكر الباحث صاحب النظر العقلي لكن بالطريق الشرعي فصفت نفسه و صقلت مرآته و انتقش فيها صور العالم كله الروحاني و إلى حد الطبيعة التي دون النفس يصل أهل الفكر و ما ينتقش فيهم مما فوقها إلا من يكون سلوكه على الطريق المشروع فإذا وصل هذا السالك على طريق الشرع انتقش فيه ما في اللوح المحفوظ فيرى مرتبة الشرائع و يرى نفسه و حظه و نصيبه و غايته من العالم فيعمل بحسب ما يراه فيرتفع بالطلب إلى الوجه الخاص به فيأخذ عن الحق أخذ إلهام و أخذ تجل و أخذ تنزيه و أخذ تشبيه و يعاين سريان الوجود في الممكنات و يعلم عند ذلك لمن الحكم فيما ظهر و من هو الظاهر الذي تظهر فيه هذه الأحكام و الاختلافات الروحانية و الطبيعية فإذا نطق هذان الشخصان علم الكامل من الرجال الفرق بين الشخصين و علم من أين أتى على كل واحد منهما و لما ذا نقص السالك بفكره عن رتبة المتشرع فصاحب الفكر لا يزال أبدا منكوس الرأس منتظرا ما يأتيه به الإمداد الروحاني و صاحب الشرع لا يزال منكوس الرأس حياء من التجلي الإلهي في أوقات كما لا يزال شبه الحائر الواله المبهوت إذا رآه في كل شيء فلا ينطق إلا به و لا ينظر إلا إليه و لا يعلم أن ثم عينا سواه فيطلبه الملأ الأعلى و الأرواح العلى و الأفلاك الدائرة المتحركة و الكواكب السابحة لتوصل إليه ما أمنت عليه مما يستحقه عليها فلا تجد من يأخذ عنها بطريق الاعتبار و الأدب فتؤدي ذلك أداء ذاتيا و يأخذه منها ما بقي من نشأته أخذا ذاتيا و هو غائب بربه عن هذا كله فإذا رد إلى رؤية ذاته رأى في ذاته جميع ما أعطاه العالم كله أعلاه و أسفله مما هو له و هو أمانة عندهم فشكر اللّٰه على ذلك و علم إن كل ما في الكون مسخر له و لأمثاله و لكن لا يعلمون فإذا حصل في هذا المقام رأى أن الذين أوتوا العلم على درجات يزيدون بها على غيرهم من أمثالهم و يرى أن أمثاله بمثابته و لا علم لهم بذلك فيفرح بذاته و يحزن لهم حيث هم في مقام واحد معه و لا يشعرون بذلك و إنه ما فضل عليهم إلا بالعلم به و بهم و بما هو الأمر عليه و لما ارتقى هذه الدرجات ارتقاء كشف و تحقيق و معاينة يقينية طلب من أين له هذه الدرجات التي ارتقى فيها و اختص دون أكثر أمثاله بها فتجلى له الحق عند ذلك في اسمه رَفِيعُ الدَّرَجٰاتِ و إنه الملقي من هذه الدرجات الروح عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ فعلم أنه ممن شاء من عباده فقابل الدرجات بالدرجات فإذا هي عينها لا غيرها و رأى تلك الدرجات في العالم كله و أنه فيها فأخذ يظهر للعالم بها و العالم لا يشعر فيخاطب كل إنسان من حيث هو من درجته التي له فيقول هذا معي و على هذا مذهبي و اعتقادي فلا ينكره أحد من العالم و لا ينكر هو أحدا من العالم مع لزوم الأدب الإلهي و لا يلزم الأدب إلا صاحب المقام و مقام أن لا مقام مقام و أما صاحب الحال فقد يطهر عليه من هذا لنقصه و نزوله عن صاحب المقام ما يؤدي الناظر فيه إلى معرفته به فالكامل ينصبغ بكل صورة في العالم و يتستر بما يقدر عليه فإن كان ثم من رآه في صورة قد اختلفت عليه لأجل اختلاف الخلق اعتقد فيه عدم التقييد الذي هو عليه هذا الناظر فقال بكفره و زندقته و ما علم من أين أتى عليه فينبغي لصاحب هذا المقام أن لا يظهر لشخصين في صورة واحدة أبدا كما لا يتجلى الحق لشخصين في صورة واحدة أبدا فإن الدرجات هي الدرجات فإن كفره و زندقه من لم ير اختلاف الصور عليه فذلك جهل منه و حسد فيكون ما ينسبه إليه على صورة ما ينسبه إلى اللّٰه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 177
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست