responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 178

جل و علا من الصاحبة و الولد و الشريك و ما نزه الحق نفسه عنه فهذا لا يؤثر في صاحب هذا المقام بل هو على كماله و ذلك الواقع فيه من المفترين فإنه ما حكم عليه إلا بما شاهده منه و يقول بلسانه عنه ما يعلم خلافه في نفسه ظلما و علوا كما قال تعالى وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ و كذلك تكون عاقبة هذا فدرجات الحق ما هو العالم عليه و صاحب هذا المقام قد تميز فيها حين ميزها فهو الإله الظاهر و الباطن و الأول في الوجود و الآخر في الشهود : و اللّٰه غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ فلا يدخله تنكير و الإله يدخله التنكير فيقال إله فاجعل بالك لما نبهتك عليه لتعلم الفرقان بين قولك اللّٰه و بين قولك إله فكثرت الآلهة في العالم لقبولها التنكير و اللّٰه واحد معروف لا يجهل أقرت بذلك عبدة الآلهة فقالت مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ و ما قالت إلى إله كبير هو أكبر منها و لهذا أنكروا ما جاء به ص في القرآن و السنة من أنه إله واحد من إطلاق الإله عليه و ما أنكروا اللّٰه و لو أنكروه ما كانوا مشركين فبمن يشركون إذا أنكروه فما أشركوا إلا بإله لا بالله فافهم فقالوا أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلٰهاً وٰاحِداً إِنَّ هٰذٰا لَشَيْءٌ عُجٰابٌ و ما قالوا أ جعل الآلهة اللّٰه فإن اللّٰه ليس هو عند المشركين بالجعل و عصم اللّٰه هذا اللفظ أن يطلق على أحد و ما عصم إطلاق إله و لقد رأيت بعض أهل الكفر في كتاب سماه المدينة الفاضلة رأيته بيد شخص بمرشانة الزيتون و لم أكن رأيته قبل ذلك فأخذته من يده و فتحته لأرى ما فيه فأول شيء وقعت عيني عليه قوله و أنا أريد في هذا الفصل أن ننظر كيف نضع إلها في العالم و لم يقل اللّٰه فتعجبت من ذلك و رميت بالكتاب إلى صاحبه و إلى هذا الوقت ما وقفت على ذلك الكتاب فمن كان ذا بصيرة و تنبه فليتفطن لما ذكرناه فإنه من أنفع الأدوية لهذه العلة المهلكة فاسم الإله من الدرجات المذكورة فلا بد منه إذ لا بد من الدرجات و من هذا الباب قول السامري هٰذٰا إِلٰهُكُمْ وَ إِلٰهُ مُوسىٰ في العجل و لم يقل هذا اللّٰه الذي يدعوكم إليه موسى و قول فرعون لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلىٰ إِلٰهِ مُوسىٰ و لم يقل إلى اللّٰه الذي يدعو إليه موسى ع و قال مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي فما أحسن هذا التحري لتعلم إن فرعون كان عنده علم بالله لكن الرئاسة و حبها غلب عليه في دنياه فإنه قال مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ و لم يقل ما علمت للعالم لما علم إن قومه يعتقدون فيه أنه إله لهم فأخبر بما هو عليه الأمر و صدق في إخباره بذلك فإنه علم أنه ليس في علمهم إن لهم إلها غير فرعون و لما كان في نفس الأمر إن ثم درجات منسوبة إلى اللّٰه بالرفعة بكونه رفيع الدرجات كثر على وجه الاختلاف صور التجلي لهذا نطق السامري بقوله وَ إِلٰهُ مُوسىٰ فإن التجلي الإلهي لا يكون إلا للاله و للرب لا يكون لله أبدا فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْغَنِيُّ قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اَللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ و هو سبحانه لا يتجلى لشخص في صورة واحدة مرتين و لا لشخصين في صورة واحدة فلهذا قال وَ إِلٰهُ مُوسىٰ فإن تجليه للأنبياء مختلف الصور أحدي الحكم بأنه الإله في أي صورة تجلى أ لا تراه في القيامة إذا تجلى ينكر و يعرف باختلاف الصور فإن قلت فقد رجع إلى الصورة حين أنكر حتى يعرف فقلنا لو علمت قوله هل بينكم و بينه علامة فتلك العلامة هي الدليل لهم حيثما رأوها عليه علموا أنه ربهم فسميت صورة تلك العلامة إذ كل معلوم ينطلق عليه اسم الصورة فبالعلامة عرفوه لا أنه كرر عليهم الصورة و إنما كانت تلك الصورة هي العلامة فدرجات الحق ليست لها نهاية لأن التجلي فيها و ليس له نهاية فإن بقاء العالم ليس له نهاية فالدرجات ليست لها نهاية في الطرفين أعني الأزل و الأبد اللذين ظهرا بالحال و هو العالم فلو زال العالم لم يتميز أزل من أبد كما هو الأمر عليه في نفسه فما ثم بدء في حق الحق و نفي البدء في حقه درجة من درجاته التي ارتفع بها عن مناسبة العالم و درجات العالم التي هي عين درجاته لا يتناهى أبدها و إن كان نزول العالم في درجة منها فتلك الدرجة هي بدء للعالم لأن الدرجات لها ابتداء بل ظهور العالم فيها له ابتداء و اعلم أن الحق من حيثما تميز عن الخلق كان برزخا بين الدرجات و بين الدركات فإنه وصف نفسه بأن له يدين و ما بين اليدين برزخ فما كان على اليمين هو درجات الجنة لأهلها و ما كان على اليد الأخرى دركات النار لأهلها فنسبة السفل إليه نسبة العلو لأنه مع العباد أينما كانوا فهو معهم في درجاتهم و هو معهم في دركاتهم كما يليق بجلاله و اعلم أنه من الدرجات درجة المغفرة و هما درجتان الواحدة ستر المذنبين عن إن تصيبهم عقوبة ذنوبهم و الدرجة الأخرى سترهم عن إن تصيبهم الذنوب و هذا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 178
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست