responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 156

بالتخفيف إلى العشر فنزل به على أمته و شرع له أن يشرع لأمته الاجتهاد في الأحكام التي بها صلاح العالم لأنه ص بالاجتهاد رجع بين اللّٰه و بين موسى ع فأمضى ذلك في أمته لتأنس بما جرى منه و لا تستوحش و جبر بهذا التشريع قلب موسى في ذلك فإنه لا بد إذا رجع مع نفسه و زال عنه حكم الشفقة على العباد قام معه تعظيم الحق و ما ينبغي لجلاله فلم يستكثر شيئا في حقه و علم إن القوة بيده يقوي بها من شاء و إذا خطر له مثل هذا و أقامه الحق فيه لا بد له أن يؤثر عنده ندما على ما جرى منه فيما قاله لمحمد ص فجبر اللّٰه قلبه بقوله مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ في آخر رجعة و كان قد تقدم القول بالتكثير و بدله بالتخفيف و التقليل فاعلم موسى أن القول الإلهي منه ما يقبل التبديل و منه ما لا يقبل التبديل و هو إذا حق القول منه فالقول الواجب لا يبدل و القول المعروض يقبل التبديل فسر موسى ع بهذا القول و إنه ما تكلم إلا في عرض القول لا في حقه و كذلك لما علم بما شرع اللّٰه لأمة محمد ص من الاجتهاد في نصب الأحكام من أجل اجتهاد محمد جبر اللّٰه تعالى قلب محمد ص فيما جرى منه و سرى ذلك في أمته ص كما سرى الجحد و النسيان في بنى آدم من جحد آدم و نسيانه جبر القلب آدم فإن هذه النشأة الطبيعية من حكم الطبيعة فيها الجحد و النسيان فكانت حركة آدم في جحده حركة طبيعية و في نسيانه أثر طبيعي فلو تناسى لكان الأمر من حركة الطبيعة كالجحد من حيث إنه جحد هو أثر طبيعي و من حيث ما هو جحد بكذا هو حكم طبيعي لا أثر فهذا الفرق بين حكم الطبيعة و بين أثرها و النسيان من أثرها و التناسي من حكمها و الغفلة من أثرها و التغافل من حكمها و قليل من العلماء بالله من يفرق بين حكم الطبيعة و أثرها فاجتمع في آدم حكم الطبيعة بالجحد لأنه الأول الجامع في ظهره للجاحدين فحكموا عليه بالجحد فجحد لأن الابن له أثر في أبيه فالجحد و إن كان من حكم الطبيعة فإنه من أثر الجاحدين من أبنائه لأن آدم إنسان كامل و كذا النسيان الواقع منه هو من أثر الطبيعة و حكم الأبناء فإنه حامل في ظهره للناسين من أبنائه فحكموا عليه بالنسيان فانظر ما أعجب هذه الأمور و ما يعطيه فتوح المكاشفة من العلوم و جميع ما ذكرناه من أحكام هذا المنزل و له من الحضرة الإلهية الغيب و من أعيان العالم الطبيعة و من عالم الشهادة الظلمة ففي الشهادة ترى الظلمة و لا يرى بها و في الطبيعة تعلم و لا ترى و يرى أثرها و يرى بها و في الغيب يرى و يرى به مع بقاء اسم الغيب عليه و إنما قلنا هذا لأن الأسماء تتغير بتغير الأحكام و لا سيما في الأسماء الإلهية فإن الحكم يغير الاسم للاسم الآخر الذي يطلبه ذلك الحكم و العين واحدة و في أحكام الشرائع عكس هذا تغير الأحكام تبع لتغير الأحوال و الأسماء و العين واحدة قيل لمالك بن أنس من أئمة الدين ما تقول في خنزير البحر من بعض السمك فقال هو حرام فقيل له فسمك البحر و دوابه و ميتته حلال فقال أنتم سميتموه خنزيرا و اللّٰه قد حرم الخنزير فتغير الحكم عند مالك لتغير الاسم فلو قالوا له ما تقول في سمك البحر أو دواب البحر لحكم بالحل و كذا تغير الأحوال يغير الأحكام فالشخص الواحد الذي لم يكن حاله الاضطرار أكل الميتة عليه حرام فإذا اضطر ذلك الشخص عينه فأكل الميتة له حلال فاختلف الحكم لاختلاف الحال و العين واحدة

[أن اللّٰه يقبل التجلي في الصور الطبيعية]

و اعلم أن اللّٰه من هذا المنزل يقبل التجلي في الصور الطبيعية كثيفها و لطيفها و شفافها لأهل البرازخ و القيامة برزخ و ما في الوجود غير البرازخ لأنه منتظم شيء بين شيئين مثل زمان الحال و يسمى الدائم و الأشياء المعنوية دور و الحسية أكر فما في الكون طرف لأن الدائرة لا طرف لها فكل جزء منها برزخ بين جزأين و هذا علم شريف لمن عرفه و لهذا جمع في الإنسان الكامل بين الصورتين الطبيعيتين في نشأته فخلقه بجسم مظلم كثيف و بجسم لطيف محمول في هذا الجسم الكثيف سماه روحا له به كان حيوانا و هو البخار الخارج من تجويف القلب المنتشر في أجزاء البدن المعطي فيه النمو و الإحساس و خصه دون العالم كله بالقوة المفكرة التي بها يدبر الأمور و يفصلها و ليس لغيره من العالم ذلك فإنه على الصورة الإلهية و من صورتها يدبر الأمر يفصل الآيات فالإنسان الكامل من تممت له الصورة الإلهية و لا يكمل إلا بالمرتبة و من نزل عنها فعنده من الصورة بقدر ما عنده أ لا ترى الحيوان يسمع و يبصر و يدرك الروائح و الطعوم و الحار و البارد و لا يقال فيه إنسان بل هو جمل و فرس و طائر و غير ذلك فلو كملت فيه الصورة قيل فيه إنسان كذلك الإنسان لا يكمل فيزول عنه الاسم العام إلى الاسم الخاص فلا يسمى

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 156
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست