responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 155

فأحسن تأديبي و لو نطق النبي ص للحاضرين بقصده فيما خبا له لارتدت جماعة من الحاضرين لذلك و لكن اللّٰه عصم نبيه ص عن القول و لم يخرجه العلم بالخبيئة عن كونه كاهنا و الحاضرون يعرفون أمر الكهنة و شأنهم و لا سيما أهل اليمن و الحجاز و جزيرة العرب فلم يخرجه ذلك العلم عن قدره عند الحاضرين و في هذه المسألة أمور عظيمة يتسع الشرح فيها إلى أمر عظيم

ترك الرضي لا يكون إلا لمن هو دون
فإن يكن لك حالا فكل صعب يهون
و إن أبيت رضاه فما يشاء يكون
هذا المنزل منه خبا رسول اللّٰه ص لابن صياد سورة الدخان من القرآن و هو منزل عظيم فيه من المكر الإلهي و الاستدراج ما لا تأمن مع العلم به الملائكة من مكر اللّٰه فالعاقل إذا لم يكن من أهل الاطلاع في تصرفاته فلا أقل من أنه لا يزيل الميزان المشروع له الوزن به في تصرفاته من يده بل من يمينه فيحفظه في نفس الأمر من هذا المكر و لا يخرج عن لوازم عبوديته و أحكامها طرفة عين يعطي من الزيادات في العلوم و الأمور ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على بال ممكن يكون العروج إليه من الأرواح المفارقة و غيرها منه تبدو العلامات على صدق الصادق و كذب الكاذب من حصل فيه حصل علم الحكمة الجامعة و تميز له الشقي من السعيد فيه تختلف أحوال الناظرين فما يراه زيد نورا يراه عمرو ظلمة و يراه جعفر نورا و ظلمة معا فإنه يكشف به الأشياء فيقول هذا نور و يبصره من حيث عينه فيقول ظلمة فيه تكون المنازلات كلها يلتقي فيه الحق النازل و الخلق الصاعد فيقول الحق للصاعد إلى أين فيقول إليك و يقول الخلق للنازل إلى أين فيقول إليك فيقول قد التقينا فتعال حتى يعين كل واحد منا ما السبب الذي أوجب لكل واحد منا طلب صاحبه فيقول الحق قصدت بالنزول إليك لنريحك من التعب فنعطيك و نهبك من غير مشقة و لا نصب و أنت في أهلك مستريح لم يكن لي قصد غير هذا و يقول الخلق قصدت بالعروج إليك تعظيما لك و خدمة لنقف بين يديك و أنت على سرير ملكك و قد علم الملأ الأعلى أني خليفتك و أني أعلم بك منهم لما خصصتني به فإذا رآني الملأ الأعلى بين يديك اقتدوا بي فيما أقوم به بين يديك مما ينبغي لمثلي أن يتأدب معك به فيحصل لهم بالمشاهدة من علم الأدب معك ما لم يكن عندهم لأني رأيتهم جاهلين بمنزلتك مع كونهم يسبحونك لا يفترون تقول لهم إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فيعارضونك فيه بما حكيت لي عنهم أنهم قالوا و لم يكن ينبغي لهم إلا السمع كما لك الأمر فلما علمت إن الأدب الإلهي ما استحكم فيهم و قد أمرتني بتعليمهم و رأيت أن التعليم بالحال و الفعل أتم منه بالقول و العمارة قصدت العروج إليك ليرى الملأ الأعلى بالحال و الفعل ما ينبغي أن يعامل به جلالك و الاستواء أشرف حال ظهرت به إلى خلقك و مع ذلك اعترضوا عليك فكيف لو نزلت إلى أدنى من حالة الاستواء من سماء و أرض فيقول الحق نعم ما قصدت مثلك من يقدر قدر الأشياء فإنه من عرف قدره و قدر الأشياء عرف قدري و و فاني حقي أ لا ترى محمدا ص لما فرضت عليه و على أمته خمسين صلاة نزل بها و لم يقل شيئا و لا اعترض و لا قال هذا كثير فلما نزل إلى موسى ع فقال له راجع ربك عسى إن يخفف عن أمتك فإني قاسيت من بنى إسرائيل في ذلك أهوالا و أمتك تعجز عن حمل مثل هذا و تسأم منه فبقي محمد ص متحيرا الأدب الكامل يعطيه ما فعل من عدم المعارضة و الشفقة على أمته تطلبه بالتخفيف عنها حتى لا يعبد اللّٰه بضجر و لا كره و لا ملل و لا كسل فبقي حائرا فهذا ما أثرت الوسائط و الجلساء فأخذ يطلب الترجيح فيما قاله موسى ع و فيما وفى هو ص من حق الأدب مع اللّٰه و قد كان اللّٰه تقدم إليه عند ذكر جماعة من الأنبياء ع منهم موسى ع بأن قال له أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّٰهُ فَبِهُدٰاهُمُ اقْتَدِهْ فتأول إن هذا الذي أشار به عليه من هداهم و لم يتفطن في الوقت إن موسى ع لما كان في حال هداه ما سأل التخفيف و ذلك الهدى هو الذي أمر رسول اللّٰه ص أن يقتدي به فأعطاه هذا الاجتهاد الرجوع إلى اللّٰه فسأله التخفيف فما زال يرجع بين اللّٰه تعالى و بين موسى ع إلى أن قال ما أعطاه الأدب استحييت من ربي و انتهى الأمر

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 155
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست