responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 157

خليفة إلا بكمال الصورة الإلهية فيه إذ العالم لا ينظرون إلا إليها و لهذا لما لم تر الملائكة من آدم إلا الصورة الطبيعية الجسمية المظلمة العنصرية الكثيفة قالت ما قالت فلما أعلمهم اللّٰه بكمال الصورة فيه و أمرهم بالسجود له سارعوا بالسجود له و لا سيما و قد ظهر لهم بالفعل في تعليمه الأسماء إياهم و لو لم يعلمهم و قال لهم اللّٰه إني أعطيته الصورة و الشورة لأخذوها إيمانا و عاملوه بما عاملوه به لأمر اللّٰه فإذا كوشف الإنسان على الإنسان الكامل و رأى الحق في الصورة التي كساها الإنسان الكامل يبقى في حيرة بين الصورتين لا يدري لأيتهما يسجد فيخير في ذلك المقام بأن يتلى عليه فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ ففي الإنسان وجه اللّٰه من حيث صورته و في جانب الحق وجه اللّٰه من حيث عينه فلا شيء يسجد قبل سجوده فإن اللّٰه يقبل السجود للصورة كما يقبله للعين

كما تحير رسول اللّٰه ص في مثل هذا المقام في منزلة أخرى لما قيل له حين أسرى به و أقيم في النور وحده فاستوحش و سبب استيحاشه إنما كان حيث أسرى به بجسمه العنصري فأدركته الوحشة بخروجه عن أصله و وقوفه في غير منزله فلم يستوحش منه ص إلا حقيقة ما ظهر فيه من العناصر فناداه من ناداه بصوت أبي بكر إذ كان قد اعتاد الأنس به فآنس للنداء و أصغى إليه و زالت عنه تلك الوحشة بصوت أبي بكر فقيل له لما أراد الدخول من ذلك الموقف على اللّٰه قف يا محمد إن ربك يصلي فتحير في نسبة الصلاة إليه و كان محمد ص في مقام الصورة الإلهية الكاملة التي تستقبل بالصلاة و السجود لها فلما دنا استقبله ربه بالصلاة له و لا علم له بذلك فناداه الاسم العليم المنسوب إليه الكلام بصوت أبي بكر ليعرفه بمرتبة أبي بكر و يؤنسه به قف إن ربك يصلي و الوقوف ثبات و هو قبلة للمصلي فوقف و أفزعه ذلك الخطاب لأن حاله في ذلك الوقت التسبيح الذي روحه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فهذا الذي أفزعه فلما تلي عليه عند ذلك هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلاٰئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمٰاتِ إِلَى النُّورِ تذكر ما أنزله اللّٰه عليه في القرآن فزال عنه رعب نسبة الصلاة إلى اللّٰه بما ذكره به و كان من أمر الإسراء ما كان و له موضع غير هذا نذكره فيه إن شاء اللّٰه فمن أقامه اللّٰه بين الصورتين لا يبالي لأيتهما سجد فإن رأى هذا الذي كوشف بالصورتين تصافح الصورتين دون سجود إحداهما للأخرى فهي علامة له على كمال الصورة في حق ذلك الإنسان الخاص و إن رأى السجود من الصورة الإنسانية للصورة الأخرى الإلهية فيعلم عند ذلك أن الصورة الإنسانية الكاملة في مقام مشاهدة العين لا مشاهدة الصورة فيوافقها في السجود لها فإن رأى السجود من الصورة الإلهية للصورة الإنسانية هنالك من قوله هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ لم يوافقها في السجود فإن وافقها هلك بل من حصل في ذلك المقام يعرف الأمور على ما هي عليه فإنه يعلم أن الصلاة من اللّٰه على العبد الكامل لا للعبد الكامل و الصلاة من العبد الكامل لله لا على اللّٰه و من حصل له هذا الفرقان فقد جمع بين القرآن و الفرقان و هذا مشهد عزيز ما رأيت له ذائقا و هو من أتم المعارف و لما نزل القرآن نزل على قلب محمد ص و على قلوب التالين له دائما التي في صدورهم في داخل أجسامهم لا أعني اللطيفة الإنسانية التي لا تتحيز و لا تقبل الاتصاف بالدخول و الخروج فيقوم للنفس الناطقة القلب الذي في الصدر ليصير لها مقام المصحف المكتوب للبصر فمن هناك تتلقاه النفس الناطقة و سبب ذلك أنه لما قام لها التفوق و الفضل على الجسم المركب الكثيف بما أعطيته من تدبيره و التصرف فيه و رأته دونها في المرتبة لجهلها بما هو الأمر عليه و ما علمت أنه من الأمور المتممة لكمالها فجعل اللّٰه القلب الذي في داخل الجسم في صدره مصحفا و كتابا مرقوما تنظر فيه النفس الناطقة فتتصف بالعلم و تتحلى به بحسب الآية التي تنظر فيها فتفتقر إلى هذا المحل لما تستفيده بسببه لكون الحق اتخذه محلا لكلامه و رقمه فيه فنزلت بهذا عن ذلك التفوق الذي كان قد أعجبت به و عرفت قدرها و رأت أن ذلك القلب مهبط الملائكة بالروح الذي هو كلام اللّٰه و ما رأت تلك الملائكة النازلة تنظر إليها و لا تكلمها إنما ترقم في القلب ما تنزل به و النفس تقرأ ما نزل فيه مرقوما فتعلم في فهمها عن اللّٰه أن مراد اللّٰه بذلك تعليمها و تأديبها لما طرأ عليها من خلل العجب بنفسها فأقرت و اعترفت بأن نسبة اللّٰه إلى كل شيء نسبة واحدة من غير تفاضل فلم تر لها تفوقا على شيء من المخلوقات من ملأ أعلى أو أدنى و لا تفضيل و لا ترجيح في العالم و لكن من حيث الدلالة و نسبة الحق لا من حيث هو العالم فإنه من حيث هو العالم يكون ترجيح

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 157
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست