responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 15

الأرض و اختراق الهواء و المشي على الماء و الأكل من الكون و ما ظهر عليه شيء من ذلك و هو في قوته و تحت تصريفه و أبي أن يكون إلا على ما هم عليه عامة المسلمين إلا و هم الملامية من أهل هذا الطريق خاصة كبيرهم و صغيرهم فيكون هذا الشخص في الأمة المحمدية كجبريل في الأمة الملكية مطاع الباطن فإن جبريل روح و له الباطن غير مطاع في الظاهر لو أمر لكنه لا يأمر فإنه ما امتاز عن العامة بشيء فلو امتاز عندهم بخرق عادة تظهر منه مما لا يقتضيها الموطن عظم و امتثل أمره للتفوق الذي ظهر له على العامة فهذا سبب رد أمره لو أمر لكنه لا يأمر و لكنه في الباطن مطاع الأمر و رأينا من هؤلاء جماعة مثل عبد اللّٰه بن تاخمست و مثل ابن جعدون الحناوي و هو من الأوتاد كان كبير الشأن فهذا العارف الذي له هذا المقام الذي ذكرناه له التمكن من نفسه و من مكن من نفسه فهو أقوى خلق اللّٰه فإن النفس تريد الظهور في العالم بالربوبية و صاحب هذا المقام قد خلع اللّٰه عليه من أوصاف السيادة و قواه بحيث أن يقول للشيء كن فيكون ذلك الشيء لمكانته من ربه فكان من قوته أنه ملك نفسه فلم يظهر عليه من ذلك شيء لا في أقواله و لا في أفعاله و لا عبادته و هو ممن

نص عليه رسول اللّٰه ص في الحديث الحسن الغريب حين خلق اللّٰه الجبال عند ميد الأرض فرست و سكن ميدها فقالت الملائكة يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الجبال قال نعم الحديد قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الحديد قال نعم النار قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من النار قال نعم الماء قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الماء قال نعم الهواء قالت يا ربنا هل خلقت شيئا أشد من الهواء قال المؤمن يتصدق بيمينه لا تعرف بذلك شماله أو قال فيخفيها عن شماله و هذه حالة من ذكرنا و قد وصفه رسول اللّٰه ص بالقوة و أن له منها أكثر مما ذكره من الأقوياء فإن النفس مجبولة على حب الرئاسة على جنسها هذا في أصل جبلتها و خلقها و من قيل له اخرج عن جبلتك و طبعك فقد كلف أمرا عظيما فسبحان من رزقهم من القوة بحيث إن هان عليهم مثل هذا و سبب ذلك أنه أعطاهم من المعرفة بالله التي خلقوا لها ما شغلهم الوفاء بحق العبودة عن مثل هذا فهم على الطريقة المثلى التي اختارها اللّٰه لعباده و لهم المكانة الزلفى بثبوتهم عليها مكرمون عند اللّٰه و هذا العارف الذي بهذه المثابة من الأفراد الذين أفردهم الحق إليه و اختصهم له و أرخى الحجاب حجاب العادة بينهم و بين الخلق فاستخلصهم لنفسه و رضي عنهم و رضوا عنه و أعطى صاحب هذا المقام من القوي المؤثرة في العالم الأعلى و الأسفل ألفا و مائتي قوة قوة واحدة منها لو سلطها على الكون أعدمته و مع هذا التمكن من هذه القوي إذا نزل الذباب عليه لا يقدر على إزالته حياء من اللّٰه و معرفة فأما المعرفة التي له فيه فإن ذلك الذباب رسول من الحق إليه و هو الذي أنزله عليه فهو يراقب ما جاءه به من العلم فإذا فرغ من رسالته إن شاء نهض إن استدعاه خالقه و إن شاء أقام فيكون هذا العارف كرسي ذلك الرسول الذبابي فهذا سبب تركه إياه و لا يشرده عن نفسه كما تفعله العامة للمعرفة و أما الحياء من اللّٰه فإن في إزالة الذباب راحة للنفس و نعيما معجلا و ما خلق اللّٰه الإنسان في هذه الدار للراحة و النعيم و إنما خلق لعبادة ربه فيستحي إن يراه اللّٰه في طلب الراحة من أذى الذباب حيث إن الموطن لا يقتضيه فإن قلت فالمتنعم في الدنيا المباح له التنعم في الحلال قلنا لا نمنع ذلك في حق غير العارف و لكن العارف تحت سلطان التكليف فما من نعمة ينعم اللّٰه بها عليه باطنة كانت أو ظاهرة إلا و التكليف من اللّٰه بالشكر عليها يصحبها فذلك التكليف ينغص على العارف التنعم بتلك النعمة لاشتغاله بموازنة الشكر عليها و إذا وفى الشكر عليها فالوفاء به نعمة من اللّٰه عليه يجب عليه الشكر عليها فلا يزال متعوب الخاطر في إقامة الوزن بالقسط أن لا يخسر الميزان و من هذه حالته كيف ينعم فظاهرها نعمة و باطنها غصص و هو لا يبرح يتقلب في نعم اللّٰه ظاهرا و باطنا و لا تؤثر عنده إلا ألما و تنغيصا و العامة تفرح بتلك النعم و تتصرف فيها أشرا و بطرا و العارف مسدود عليه في الدنيا باب الراحة في قلبه و إن استراح في ظاهره فهو يموت في كل نفس ألف موتة و لا يشعر به يقول عمر بن الخطاب ما ابتلاني اللّٰه بمصيبة إلا رأيت لله علي فيها ثلاث نعم إحداها أن لم تكن في ديني الثانية حيث لم تكن أكبر منها الثالثة ما وعد اللّٰه عليها من الثواب و من كان في مصيبة واحدة يرى ثلاث نعم فقد انتقل إلى مصيبة أعظم من تلك المصيبة فإنه يتعين عليه إقامة ميزان الشكر على ثلاث نعم فابتلاه اللّٰه بمصيبة واحدة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 15
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست