responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 145

فخرج التراب بالنص فيه عن سائر ما يكون أرضا و يزول عنه الاسم بالمفارقة فهذه ستة خص بها هذا النبي ص فكانت منزلة لم ينلها غيره لها حكم في كل منزل من دنيا و هو ما ذكرناه و من برزخ و قيامة و جنة و كثيب فيظهر حكم هذا الاختصاص الإلهي في كل منزل من هذه المنازل ليتبين شرفه و ما فضله اللّٰه به على غيره مع كونه أعطى جميع ما فضلت به الرسل بعضها على بعض

[ليس من شرط الرسالة ظهور العلامات على صدقه]

ثم لتعلم أيها الولي أنه من رحمته ص التي بعثه اللّٰه تعالى بها ما أبان اللّٰه على لسانه لنا و أمره بتبليغ ذلك فبلغ أنه ليس من شرط الرسالة ظهور العلامات على صدقه إنما هو شخص منذر مأمور بتبليغ ما أمر بتبليغه هذا حظه لا يجب عليه غير ذلك فإن أتى بعلامة على صدقه فتلك فضل اللّٰه ليس ذلك بيده فأقام عذر الأنبياء كلهم في ذلك فكان رحمة للرسل في هذا فجاء في القرآن قوله وَ قٰالُوا لَوْ لاٰ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ و هذا قول غير العرب ما هو قول العرب لأنه جاء بالقرآن آية على صدقه للعرب إذ لا يعرف إعجازه و كونه آية غير العرب فلم يرد عنه إنه أظهر آية لكل من دعاه من غير العرب كاليهود و النصارى و المجوس و لكن أي شيء جاء من الآيات فذلك من اللّٰه لا بحكم الوجوب عليه و لا على غيره من الرسل فقيل له قُلْ لهم إِنَّمَا الْآيٰاتُ عِنْدَ اللّٰهِ وَ إِنَّمٰا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ثم قال له أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنّٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْكِتٰابَ يُتْلىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَرَحْمَةً بهم فإنا أرسلناك رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ فضمنا القرآن جميع ما تعرف الأمم أنه آية على صدق من جاء به إذ لم يعلموا منه بقرائن الأحوال أنه قرأ و لا كتب و لا طالع و لا عاشر و لا فارق بلده بل كان أميا من جملة الأميين و أخبرهم عن اللّٰه بأمور يعرفون أنه لا يعلمها من هو بهذه الصفة التي هو عليها هذا الرسول إلا بإعلام من اللّٰه فكان ما جاء في القرآن من ذلك آية كما قالوا و طلبوا و كان إعجازه للعرب خاصة إذ نزل بلسانهم و صرفوا عن معارضته أو لم يكن في قوتهم ذلك من غير صرف حدث لهم فجاء القرآن بما جاءت به الكتب قبله و لا علم له بما جاء فيها إلا من القرآن و علمت ذلك اليهود و النصارى و أصحاب الكتب فحصلت الآية من عند اللّٰه لأن القرآن من عند اللّٰه فقد تبين لك منزل محمد من غيره من الرسل و خصه اللّٰه بعلوم لم تجتمع في غيره منها إنه أعطاه أنواع ضروب الوحي كلها فأوحى إليه بجميع ما سمي وحيا كالمبشرات و الإنزال على القلوب و الآذان و بحالة العروج و عدم العروج و غير ذلك و خصه بعموم علوم الأحوال كلها فأعطاه العلم بكل حال و في كل حال ذوقا لأنه أرسله إلى الناس كافة و أحوالهم مختلفة فلا بد أن تكون رسالته تعم العلم بجميع الأحوال و خصه اللّٰه بعلم إحياء الأموات معنى و حسا فحصل العلم بالحياة المعنوية و هي حياة العلوم و الحياة الحسية و هو ما أتى في قصة إبراهيم ع تعليما و أعلاما لرسول اللّٰه ص و هو قوله نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبٰاءِ الرُّسُلِ مٰا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤٰادَكَ وَ جٰاءَكَ فِي هٰذِهِ الْحَقُّ و خص بعلم الشرائع كلها فأبان له عن شرائع المتقدمين و أمره أن يهتدي بهداهم و خص بشرع لم يكن لغيره منه ما ذكرناه في الستة التي خص بها فهذه أربعة منازل لم ينزل فيها غيره من الأنبياء ع فهذا منزل محمد ص قد ذكرت منه ما يسره اللّٰه على لساني فلنذكر ما يتضمن منزله من العلوم فمن ذلك علم الحجاب أعني حجاب الجحد و حجاب الحكمة و علم الفارق الذي تعينت به السبل مثل قوله لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً وَ لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰاحِدَةً و هل هم اليوم بعموم بعثة الرسل أمة واحدة أم لا و هل حكم اللّٰه على أصحاب الكتب بالجزية و إبقائهم على دينهم شرع من اللّٰه لهم على لسان محمد ص فينفعهم ذلك ما أعطوا الجزية عن قوة من الآخذين و صغار منهم فقد فعلوا ما كلفوا و كان هذا حظهم من الشريعة فإبقاؤهم على شرعهم شرع محمدي لهم فيسعدون بذلك فتكون مؤاخذة من أخذ منهم بما فرط فيه من الشرع الذي هم عليه كسائر العصاة الذين لم يعملوا بجميع ما تضمنه شرعهم و إن كانوا مؤمنين به و هذا علم غريب ما أعلم له ذائقا من فتوح المكاشفة و هو من علوم الأسرار التي غار عليها أهل اللّٰه فصانوها و فيه علم ما حير الأكوان فيما تحيروا فيه كان ما كان و فيه علم الايمان المطلق و المقيد و فيه علم ما يفسد العمل المشروع و يصلحه و فيه علم سريان الحق في الأحكام على اختلافها و أنها كلها حق من الرب و فيه علم الكفارات و فيه علم ما تصلح به أحوال الخلق و فيه علم ما هو الباطل و ما هو الحق هل هما أمر وجودي أو ليس بوجودي و فيه علم الشركة في الاتباع و إلى ما يؤول كل تابع هل غايته أمر واحد أو مختلف و فيه علم من تضرب له الأمثال ممن لا تضرب و فيه علم القهر الإلهي على أيدي الأكوان

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 145
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست