responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 144

و أهبط إبليس عقوبة لا رجوعا إلى أصله فإنها ليست داره و لا خلق منها فسأل اللّٰه الإغواء أن يدوم له في ذرية آدم لما عاقبه اللّٰه بما يكرهه من إنزاله إلى الأرض و كان سبب ذلك في الأصل وجود آدم لأنه بوجوده وقع الأمر بالسجود و ظهر ما ظهر من إبليس و كان من الأمر ما كان فعلمنا أن اللّٰه أرسله بالرحمة و جعله رحمة للعالمين فمن لم تنله رحمته فما ذلك من جهته و إنما ذلك من جهة القابل فهو كالنور الشمسي أفاض شعاعه على الأرض فمن استتر عنه في كن و ظل جدار فهو الذي لم يقبل انتشار النور عليه و عدل عنه فلم يرجع إلى الشمس من ذلك منع و أخبر ص أنه بعث إلى كل أحمر و أسود فذكر من قامت به الألوان من الأجسام يشير إلى أنه مبعوث بعموم الرحمة لمن يقبلها و بعموم الشرع لمن يؤمن به و أمته ص جميع من بعث إليه ليشرع له فمنهم من آمن و منهم من كفر و الكل أمته و الخصلة الرابعة أنه نصر بالرعب بين يديه مسيرة شهر و الشهر قدر قطع القمر درجات الفلك المحيط فهو أسرع قاطع و الحساب به للعرب و هو عربي فإذا نصر بين يديه بالرعب مسيرة شهر بسير القمر لأنه ما ذكر السائر و ذكر الشهر و لا يعين الشهر عند أصحاب هذا اللسان إلا سير القمر فقد عم نصره بالرعب ما قطعه من المسافة هذا القمر في شهر فعم حكم كل درجة للفلك الأقصى لها أثر في عالم الكون و الفساد بقطع القمر تلك المسافة فما قال ذلك إلا بطريق الثناء به عليه و لو كان ثم من يقطع الفلك في أقل من هذه المدة لجاء به فجاء بأسرع سائر يعم سيره قطع درجات الفلك المحيط فعموم رعبه في قلوب أعدائه عموم رحمته فلا يقبل الرعب إلا عدو مقصود يعلم أنه مقصود فما قابلة أحد في قتال إلا و في قلبه رعب منه و لكنه يتجلد عليه بما أشقاه اللّٰه ليتميز السعيد من الشقي فيوهن ذلك الرعب من جلادة عدوه على قدر ما يريد اللّٰه فما نقص من جلادة ذلك العدو بما وجده من الرعب كان ذلك القدر نصرا من اللّٰه و الخصلة الخامسة أحلت له الغنائم و لم تحل لأحد قبله فأعطى ما يوافق شهوة أمته و الشهوة نار في باطن الإنسان تطلب مشتهاها و لا سيما في المغانم لأن النفوس لها التذاذ بها لكونها حصلت لهم عن قهر منهم و غلبة و تعمل فلا يريدون أن يفوتهم التنعم بها في مقابلة ما قاسوه من الشدة و التعب في تحصيلها فهي أعظم مشتهى لهم و قد كانت المغانم في حق غيره من الأنبياء إذا انصرف من قتال العدو جمع المغانم كلها فإذا لم يبق منها شيء نزلت نار من الجو فأحرقتها كلها فإن وقع فيها غلول لم تنزل تلك النار حتى يرد و يلقى فيها ذلك الذي أخذ منها فكان لهم نزول النار علامة على القبول الإلهي لفعلهم فأحلها اللّٰه لمحمد ص فقسمها في أصحابه فتناولتها نار شهواتهم عناية من اللّٰه بهم لكرامة هذا الرسول عليه فأكرمه بأمر لم يكرم به غيره من الرسل و أكرم من آمن به بما لم يكرم به مؤمنا قبله بغيره و الخصلة السادسة أن طهر اللّٰه بسببه الأرض فجعلها كلها مسجدا له فحيث أدركته أو أمته الصلاة يصلي و المساجد بيوت اللّٰه و بيوت اللّٰه أكرم البيوت لأضافتها إلى اللّٰه فصير الأرض كلها بيت اللّٰه من حيث أن جعلها مسجدا و قد أخبرنا لمن يلازم المساجد من الفضل عند اللّٰه فأمته لا تبرح في مسجد أبدا لأنها لا تبرح من الأرض لا في الحياة و لا في الموت و إنما هو انتقال من ظهر إلى بطن و ملازم المسجد جليس اللّٰه في بيته فهذه الأمة جلساء اللّٰه حياة و موتا لأنهم في مسجد و هو الأرض و كذلك جعل اللّٰه أيضا تربة هذه الأرض طهورا فكان لها حكم الماء في الطهارة إذا عدم الماء أو عدم الاقتدار على استعماله لسبب مانع من ذلك فأقام لهم تراب هذه الأرض و الأرض طهورا فإذا فارق الأرض ما فارق منها ما عدا التراب فلا يتطهر به إلا أن يكون التراب فإنه ما كان منها يسمى أرضا ما دام فيها من معدن و رخام و زرنيخ و غير ذلك فما دام في الأرض كان أرضا حقيقة لأن الأرض تعم هذا كله فإذا فارق الأرض انفرد باسم خاص له و زال عنه اسم الأرض فزال حكم الطهارة منه إلا التراب خاصة فسواء فارق الأرض أو لم يفارقها فإنه طهور لأنه منه خلق المتطهر به و هو الإنسان فيطهر بذاته تشريفا له فأبقى اللّٰه النص عليه بالحكم به في الطهارة دون غيره ممن له اسم غير اسم الأرض فإذا فارق التراب الأرض زال عنه اسم الأرض و بقي عليه اسم التراب كما زال عن الزرنيخ اسم الأرض لما فارق الأرض و بقي عليه اسم الزرنيخ فلم تجز الطهارة به بعد المفارقة لأن اللّٰه ما خلق الإنسان من زرنيخ و إنما خلقه من تراب

فقال رسول اللّٰه ص في الأرض إن اللّٰه جعلها له مسجدا و طهورا فعم ثم

قال في الخبر الآخر و جعلت تربتها لنا طهورا

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 144
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست