responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 143

قامت به هذا المقام فقال إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ حفيظ عليها فلا نخرج منها إلا بقدر معلوم كما إن اللّٰه سبحانه يقول وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ فإذا كانت هذه الصفة فيمن كانت ملك مقاليدها ثم قال بعد قوله حَفِيظٌ عَلِيمٌ أخبر أنه عالم بحاجة المحتاجين لما في هذه الخزائن التي خزن فيها ما به قوامهم عليم بقدر الحاجة فلما أعطى ص مفاتيح خزائن الأرض علمنا أنه حفيظ عليم فكل ما ظهر من رزق في العالم فإن الاسم الإلهي لا يعطيه إلا عن أمر محمد ص الذي بيده المفاتيح كما اختص الحق تعالى بمفاتيح الغيب فلا يعلمها إلا هو و أعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن و الخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم و الكلم جمع كلمة و كلمات اللّٰه لا تنفد فأعطى علم ما لا يتناهى فعلم ما يتناهى بما حصره الوجود و علم ما لم يدخل في الوجود و هو غير متناه فأحاط علما بحقائق المعلومات و هي صفة إلهية لم تكن لغيره فالكلمة منه كلمات كالأمر الإلهي الذي هو كلمة واحدة كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ و ليس في التشبيه الحسي أعظم و لا أحق تشبيها به من اللمح بالبصر و لما علم بجوامع الكلم أعطى الإعجاز بالقرآن الذي هو كلمة اللّٰه و هو المترجم به عن اللّٰه فوقع الإعجاز في الترجمة التي هي له فإن المعاني المجردة عن المواد لا يتصور الإعجاز بها و إنما الإعجاز ربط هذه المعاني بصور الكلم القائم من نظم الحروف فهو لسان الحق و سمعه و بصره و هو أعلى المراتب الإلهية و ينزل عنها من كان الحق سمعه و بصره و لسانه فيكون مترجما عن عبده كما ترجم تعالى لنا في القرآن أحوال من قبلنا و ما قالوه فما فيه ذلك الشرف فإنه يترجم عن أهله و المقربين لديه كالملائكة فيما قالوه و يترجم عن إبليس مع إبلاسه و شيطنته و بعده بما قاله و لا يترجم عن اللّٰه إلا من له الاختصاص الذي لا اختصاص فوقه و الخصلة الثالثة بعثته إلى الناس كافة من الكفت و هو الضم أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفٰاتاً أي تضم الأحياء على ظهرها و الأموات في بطنها كذلك ضمت شريعته جميع الناس فلا يسمع به أحد إلا لزمه الايمان به و لما سمع الجن القرآن يتلى قالوا لقومهم يٰا قَوْمَنٰا أَجِيبُوا دٰاعِيَ اللّٰهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذٰابٍ أَلِيمٍ وَ مَنْ لاٰ يُجِبْ دٰاعِيَ اللّٰهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيٰاءُ أُولٰئِكَ فِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ فأخبر بقوله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ عن الجن و قول اللّٰه من و ليس له إلى مبين فضمت شريعته الجن و الإنس فعم بشريعته الإنس و الجن و عمت العالم رحمته التي أرسل بها فقال وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ فأخبر اللّٰه أنه أرسله ليرحم العالم و ما خص عالما من عالم فإذا أتى بكل ما يرضي العالم صنفا صنفا ما عدا بعض من هو مخاطب بحكم شرعه فقد رحمه و قام بالرحمة التي أرسل بها بل نقول إنه جاء بحكم اللّٰه و حكم اللّٰه يرضى به كل صنف من العالم بلا شك فإن كل العالم مسبح بحمده فهو راض بحكمه من جهة ما جاء به هذا الرسول العام الدعوة العام بنشر الرحمة على العالم غير أن من الناس من لم يرض بالمحكوم به و إن كان راضيا بالحكم فقد نال من رحمة اللّٰه التي أرسل بها على قدر ما رضي به من الحكم المعين الذي جاء به و ليس هذا الواقع إلا في الناس خاصة و إنما الجن شياطينهم و غير شياطينهم فإن اللّٰه جعل لهم الإغواء و أمرهم من خلف حجاب البعد بالاستفزاز و المشاركة في الأموال و الأولاد ابتلاء لهم و امتحانا فيقول الشيطان لِلْإِنْسٰانِ اكْفُرْ فإذا كفر يقول الشيطان إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ هذا إخبار اللّٰه عنه ثم قال فَكٰانَ عٰاقِبَتَهُمٰا أي جاءهما عقيب هذا الواقع أَنَّهُمٰا فِي النّٰارِ فأعقب الشيطان برجوعه إلى أصله فإنه مخلوق من النار فرجع إلى موطنه و كان للإنسان عقوبة على كفره حيث ظلم بقبول ما جاءه به الشيطان و لم يقبل ما جاءه به الرسول ثم قال خٰالِدَيْنِ فِيهٰا فخلد الشيطان في منزله و داره و خلد الإنسان جزاء لكفره و لهذا تبرأ منه للافتراق الذي بينهما في العاقبة و قوله و ذلك فأشار رينية الواحد و لم يثن الإشارة إلى العقاب فإنهما ما اشتركا فيه لأن الذي أتى للإنسان عقيب ذنبه إنما هو العذاب و الذي كان سهم الشيطان الذي أتاه عقيب فعله و قوله رجوعه إلى أصله الذي منه خلق فلا يغتر العاقل أ لا ترى في قصة آدم في الجنة لما وقع منه ما وقع من قرب الشجرة و أعقبه اللّٰه الهبوط إلى الأرض من الجنة و أهبط حواء و أهبط إبليس و لهذا قال اِهْبِطُوا فجمع و لم يثن و لا أفرد فنزل آدم إلى أصله الذي خلق منه فإنه مخلوق من التراب فأهبطه اللّٰه للخلافة لقوله تعالى إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً فما أهبط عقوبة لما وقع منه و إنما جاء الهبوط عقيب ما وقع منه و أهبط حواء للتناسل

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 143
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست