responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 116

لغيرنا و قد أبان ص لأمته عن صورة تجلى الحق لعباده بقول ما قاله نبي لأمته قبله و بهذا أثنى اللّٰه عليه فقال بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ و أرسله رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ و لم يخص مؤمنا من كافر

فقال ص لما حذر من الدجال في دعواه الألوهية فقال أقول لكم فيه قولا ما قاله نبي لأمته و ما من نبي إلا قد حذر أمته الدجال ألا إن الدجال أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية و إن ربكم ليس بأعور فعرفنا بأي صورة نرى ربنا و لا يقال إنه أراد صورة لا تقبل العور فكانت فائدة الأخبار ترتفع فإن تلك الصورة كانت تعطي بذاتها نفي العور عنها و إنما لما كانت الصورة ممن يقبل ذلك بين لنا أنه ليس كذلك لما علم من وقوع الشبه فيما وقعت فيه السلامة من العيب و إنما كان الدجال أعور لأنه على نصف الصورة إذ لم يحز رتبة الكمال كما حازها أكثر الرجال ثم نرجع و نقول إن موسى لما كلمه ربه أدركه الطمع فقال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فسأل ما يجوز له السؤال فيه إذ كانت الرسل أعلم الناس بالله و أنه ذو إدراك يدركه به و أنه المدرك بالإدراك لا الإدراك فإنه عالم بأن الأبصار لا تدركه و إنما هي آلة يدرك بها و إنما منع موسى من الرؤية لكونه سألها عن غير أمر إلهي أوحي به إليه فإنهم أدباء لا يتبعون إلا ما يوحى به إليهم و لا سيما في الجناب الإلهي فلهذا قيل له لَنْ تَرٰانِي ثم استدرك استدراك لطيف بعبده لما انتهى فيه حد عقوبة فوت الأدب بالسؤال ابتداء الذي حمله عليه شوقه فكان مثل السكران فلما علم إن الياس قد قام به فيما طلبه استدرك بالإحالة على الجبل في استقراره عند التجلي و الجبل من الممكنات فتجلى له ربه فاندك عند ذلك التجلي لكون روحه ما أوجده اللّٰه لحفظ الصورة على الجبل مثل الأرواح المدبرة و إنما أوجده ليكون مسبحا له فلذلك لم تحفظ عليه صورة الجبلية و أثر فيه التجلي و حفظ روح موسى ع على موسى في صعقه عند رؤية ما رآه الجبل الذي كان حجابا عليه صورة نشأته فَلَمّٰا أَفٰاقَ رجع موسى موسى و ما رجع الجبل جبلا علم موسى أنه قد وقع منه ما كان ينبغي له أن لا يقع إلا بأمر إلهي فقال تُبْتُ إِلَيْكَ لما علم إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بوقوع هذا الجائز إذ ما تقدم لأحد من هذا النوع الإنساني إنه سأل ربه رؤيته و لا أنه رآه فلذلك ادعى موسى أنه أول المؤمنين

ثم أعلمنا ص إنه ما منا أحد إلا سيرى ربه و يكلمه كفاحا و هذا كله إعلام بالصورة التي يتجلى لنا فيها و هي الصورة التي خلقنا عليها و نحن نعلم قطعا إن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب فلا تظن إن سؤال موسى رؤية ربه أنه فاقد للرؤية التي كانت حالة أبي بكر الصديق رضي اللّٰه عنه في قوله ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه فإنها رؤية حاصلة له لعلو مرتبته فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق فالرؤية ثابتة بلا شك ذوقا و نقلا لا عقلا فإن رؤية اللّٰه تعالى من محارات العقول و مما يوقف عندها و لا يقطع عليها بحكم من أحكامها الثلاثة إذ ليس للأنبياء و لا للأولياء من أهل اللّٰه علم بالله يكون عن فكر قد طهرهم اللّٰه عن ذلك بل لهم فتوح المكاشفة بالحق فمن الرائين من يراه و لا يقيد و منهم من يراه به و منهم من يراه بنفسه و منهم من لا يراه عنده و هو قد رآه و لا يعلم أنه رآه لأن هذا الصنف ليس بصاحب علامة في الحق و لا يعرف صورة ظهوره في الوجود و منهم من لا يراه لعلمه بأن عينه لا تظهر هنا للعالم إلا بصور أحكام أعيان العالم و هو مجلاها فلا يقع الإدراك من الرائي إلا على صورة الحكم لا على العين فيعلم أنه ما رآه وَ لِلّٰهِ الْمَثَلُ الْأَعْلىٰ و هو العزيز الذي لا يرى من حيث هويته الحكيم في تجليه حتى يقال إنه رأى انظر إلى الصورة الظاهرة للعين في الجسم الصقيل و حقق رؤيتك فتجد تلك الصورة قد حالت بينك و بين إدراكك عين الجسم الصقيل الذي هو مجلاها فلا تراه أبدا و الحق مجلى صور الممكنات فلم ير العالم إلا العالم في الحق لا بالحق و بالحق ثم لتعلم إن المرئي الذي هو الحق نور و أن الذي يدركه به الرائي إنما هو نور فنور اندرج في نور فكأنه عاد إلى أصله الذي ظهر منه فما رآه سواه و أنت من حيث عينك عين الظل لا عين النور بل النور ما تدرك به كل شيء و النور من الأشياء فلا تدركه إلا من كونك حاملا للنور في عين ظلك و الظل راحة و الظلمة حجاب فإذا طلع كوكب الحق و وقع في قلب العبد استنار به القلب و أضاء فأزال عن صاحبه الحيرة و الخوف فأخبر عن ربه بالصريح و الإيماء و أنواع الإخبارات

[أن الأنبياء اختارت النوم على ظهورها لعلمها]

و اعلم أن الأنبياء ما اختارت النوم على ظهورها إلا لعلمها أنه كل ما قابل الوجه فهو أفق له إذ كان لا يقابل الوجه إلا الأفق و ثم أفق أدنى أي أقرب إلى الأرض و ثم أفق أعلى و هو ما تقابله بوجهك عند استلقائك على

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست