اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 395
فكنت مجملا ، فإذا قلت : صدري عدت مفصلا ، وإن كان الطلب وقت الإرسال ،
الذي هو مقام مزيد احتياج إلى انشراح الصدر ، لما تؤذن به الرسالة من تلقي المكاره
وضروب الشدائد ، وقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ)[١] وارد على هذا التوخي ومزيد التقرير ، وقول البلغاء في
الجواب مثل : لا ، وأصلحك الله ، بزيادة الواو ، خلافا لما عليه كلام الأوساط ، من
الإطناب في موقع.
ولك أن تعد باب
(نعم وبئس) موضوعا على الإطناب ، إذ لو أريد الاختصار لكفى : نعم زيد ، وبئس عمرو
، وأن تجعل الحكمة في ذلك توخي تقرير المدح والذم ، لاقتضائهما مزيد التقرير ؛
لكونهما للمدح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة ومذمومة المستبعد
تحققهما ، وهو أن يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد ، وكون المذموم مذموما في
خلافها ؛ وتجعل وجه التقرير الجمع بين طرفي الإجمال والتفصيل ، ألّا تراك إذا قلت
: نعم الرجل ، مريدا باللام الجنس دون العهد ، كيف توجه المدح إلى زيد أولا ، على
سبيل الإجمال ؛ لكونه من أفراد ذلك الجنس ، وإذا قلت : نعم رجلا ، فأضمرته من غير
ذكر له سابق ، وفسرته باسم جنسه ، ثم إذا قلت : زيد ، كيف توجهه إليه ثانيا على
سبيل التفصيل.
وإن هذا الباب
متضمن للطائف فيه من الإطناب الواقع في موقعه ما ترى ، وفيه تقدير السؤال ، وبناء
المخصوص عليه يقدر بعد : نعم الرجل ، أو : نعم رجلا : من هو؟
ويبني عليه زيد
أي هو زيد.
وقد عرفت ،
فيما سبق ، لطف هذا النوع ، وفيه اختصار من جهة ، وهو ترك المبتدأ في الجواب ، ولا
يخفى حسن موقعه ، ولو لم يكن فيه شيء سوى أنه يبرز الكلام في معرض الاعتدال ، نظرا
إلى إطنابه من وجه ، وإلى اختصاره من وجه آخر ، أو إيهامه الجمع بين المتنافيين ،
مثله في جمعه بين الإجمال والتفصيل ، فمبنى السحر الكلامي الذي يقرع سمعك على
أمثال ذلك لكفى.