اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 348
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي
رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)[١] و (إِنْ كُنْتُمْ فِي
رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ)[٢] ، بلفظ : " إن" مع المرتابين ، فإما لقصد
التوبيخ على الريبة ، لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها ، وتصوير أن المقام
لا يصلح إلا لمجرد الفرض للارتياب ، كما قد تفرض المحالات ، متى تعلقت بفرضها
أغراض ، كقوله تعالى : (وَلَوْ سَمِعُوا مَا
اسْتَجابُوا لَكُمْ)[٣] ، والضمير في" سمعوا" للأصنام ويتأبى أن يقال
: وإذا ارتبتم ، ومثله : (أَفَنَضْرِبُ
عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ)[٤] فيمن قرأ" إن" لقصد التوبيخ والتجهيل في
ارتكاب الإسراف ، وتصوير أن الإسراف من العاقل في مثل هذا المقام واجب الانتفاء ،
حقيق أن لا يكون ثبوته إلا على مجرد الفرض ، ومنه ما قد يقول العامل عند التقاضي
بالعمالة ، إذا امتد التسويف ، وأخذ يترجم عن الحرمان : إن كنت لم أعمل ، فقولوا
اقطع الطمع ، [ينزلهم][٥] لتوهم أن يحرموه ، منزلة من لا يعتقد أنه عمل ، فيقول
مجهّلا : إن اعتقدتم أني لم أعمل فقولوا : ويلكم ، وإما لتغليب غير المرتابين ممن
خوطبوا على مرتابيهم.
وباب التغليب
باب واسع يجري في كل فن ، قال تعالى ، حكاية عن قوم شعيب : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا)[٦] أدخل" شعيب" في" لتعودن في ملتنا"
بحكم التغليب ، وإلّا فما كان شعيب في ملتهم كافرا مثلهم ، فإن الأنبياء معصومون
أن يقع منهم صغيرة فيها نوع نفرة ، فما بال الكفر؟