اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 332
وثمن الكلام :
أن يوفى من أبلغ الإصغاء ، وأحسن الاستماع حقه ، وأن يتلقى من القبول له ،
والاهتزاز بأكمل ما استحقه ، ولا يقع ذلك ما لم يكن السامع عالما بجهات حسن الكلام
، ومعتقدا بأن المتكلم تعمدها في تركيبه للكلام عن علم منه ؛ فإن السامع إذا جهلها
لم يميز بينه وبين ما دونه ، وربما أنكره ، وكذلك إذا أساء بالمتكلم اعتقاده ،
ربما نسبه في تركيبه ذاك إلى الخطأ ، وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة
النازلة ، ومما يشهد لك بهذا ما يروى عن علي ، رضياللهعنه ، أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل : من المتوفّي؟ بلفظ
اسم الفاعل ، سائلا عن المتوفّى فلم يقل : فلان ، بل قال : الله ؛ ردا لكلامه عليه
، مخطئا إياه ، منبها له بذلك على أنه كان يجب أن يقول : من المتوفّى؟ بلفظ اسم
المفعول ، ويقال : إن هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو
، فأمر أبا الأسود الدؤلي بذلك ، فهو أول أئمة علم النحو ، رضوان الله عليهم
أجمعين ، وما فعل ذلك ، كرم الله وجهه ، إلّا لأنه عرف من السائل أنه ما أورد لفظ
المتوفّى على الوجه الذي يكسوه جزالة في المعنى ، وفخامة في الإيراد ، وهو وجه
القراءة المنسوبة إليه : (وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً)[١] بلفظ بناء الفعل للفاعل ، من إرادته معنى والذين
يستوفون مدد أعمارهم ، وإذا عرفت هذا ، فنقول في التركيب الذي نحن فيه من مثل :
يكتب القرآن لي زيد ، برفع زيد مع بناء الفعل للمفعول جهات للحسن ، ومزايا نتلوها
عليك ، ليكون لك ذريعة إلى درك ما سواها ، إذا شحذنا بها بصيرتك.
ومنها : أن
الكلام متى نسج على هذا المنوال ، ناب مناب الجمل الثلاث؟ إحداها : يكتب القرآن لي
، والثانية : الجملة المدلول عليها بزيد ، وهي من يكتبه ، والثالثة : زيد مع
الرافع المقدر ، وهي يكتبه زيد ، بخلافه إذا قيل : يكتب القرآن لي زيد ، بلفظ
المبني للفاعل ، ولا شبهة أن الكلام متى كان أجمع للفوائد كان أبلغ.
ومنها : أن
الكلام متى سيق هذا المساق ؛ كان كل واحد من لفظي : القرآن وزيد