فقد ترى إلى
علوّ هذا اللفظ ومائه ، وصقاله وتلامح أنحائه ، ومعناه مع هذا ما تحسّه وتراه :
إنما هو : لمّا فرغنا من الحج ركبنا الطريق راجعين ، وتحدّثنا على ظهور الإبل.
ولهذا نظائر كثيرة شريفة الألفاظ رفيعتها ، مشروفة المعانى خفيضتها.
قيل : هذا
الموضع قد سبق إلى التعلّق به من لم ينعم النظر فيه ، ولا رأى ما أراه القوم منه ،
وإنما ذلك لجفاء طبع الناظر ، وخفاء غرض الناطق. وذلك أن فى قوله «كل حاجة» [ما]
يفيد منه أهل النسيب والرّقّة ، وذوو الأهواء والمقة [١] ما لا يفيده غيرهم ، ولا يشاركهم فيه من ليس منهم ؛ ألا
ترى أن من حوائج (منى) أشياء كثيرة غير ما الظاهر عليه ، والمعتاد فيه سواها ؛ لأن
منها التلاقى ، ومنها التشاكى ، ومنها التخلّى ، إلى غير ذلك ممّا هو تال له ،
ومعقود الكون به. وكأنه صانع عن هذا الموضع الذى أومأ إليه ، وعقد غرضه عليه ،
بقوله فى آخر البيت :
أى إنما كانت
حوائجنا التى قضيناها ، وآرابنا التى أنضيناها ، من هذا النحو الذى هو مسح الأركان
وما هو لاحق به ، وجار فى القربة من الله مجراه ؛ أى لم يتعدّ هذا القدر المذكور
إلى ما يحتمله أوّل البيت من التعريض الجارى مجرى التصريح.
وفى هذا ما
أذكره ؛ لتراه فتعجب ممّن عجب منه ووضع من معناه. وذلك أنه لو قال : أخذنا فى
أحاديثنا ، ونحو ذلك لكان فيه معنى يكبره أهل النسيب ، وتعنو له ميعة [٤] الماضى الصليب. وذلك أنهم قد شاع عنهم واتّسع فى
محاوراتهم علوّ قدر الحديث بين الأليفين ، والفكاهة بجمع شمل المتواصلين ؛ ألا ترى
إلى قول الهذلىّ :