فإذا رأيت
العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسّنوها ، وحموا حواشيها وهذّبوها ، وصقلوا غروبها [٢] وأرهفوها ، فلا ترينّ أن العناية إذ ذاك إنما هى
بالألفاظ ، بل هى عندنا خدمة منهم للمعانى ، وتنويه [بها] وتشريف منها. ونظير ذلك
إصلاح الوعاء وتحصينه ، وتزكيته ، وتقديسه ، وإنما المبغىّ بذلك منه الاحتياط
للموعى عليه ، وجواره بما يعطّر بشره ، ولا يعرّ جوهره ، كما قد نجد من المعانى
الفاخرة السامية ما يهجّنه ويغضّ منه كدرة لفظه ، وسوء العبارة عنه.
فإن قلت : فإنا
نجد من ألفاظهم ما قد نمّقوه ، وزخرفوه ، ووشّوه ، ودبّجوه ، ولسنا نجد مع ذلك
تحته معنى شريفا ، بل لا نجده قصدا ولا مقاربا ؛ ألا ترى إلى قوله :