تشربه من الغنّة عند الوقوف عليها ، ولذلك لا تكاد تعتاص [١] اللام ، وقد ترى إلى كثرة اللثغة فى الراء فى الكلام ،
وكذلك الطاء ، والتاء : هما أقوى من الدال ؛ وذاك لأن جرس الصوت بالتاء ، والطاء ،
عند الوقوف عليهما أقوى منه وأظهر عند الوقوف على الدال. وأنا أرى أنهم إنما
يقدّمون الأقوى من المتقاربين ، من قبل أن جمع المتقاربين يثقل على النفس ، فلما
اعتزموا النطق بهما قدّموا أقواهما ، لأمرين : أحدهما أن رتبة الأقوى أبدا أسبق
وأعلى ؛ والآخر أنهم إنما يقدّمون الأثقل ويؤخّرون الأخفّ من قبل أن المتكلم فى
أوّل نطقه أقوى نفسا ، وأظهر نشاطا ، فقدّم أثقل الحرفين ، وهو على أجمل الحالين ،
كما رفعوا المبتدأ لتقدّمه ، فأعربوه بأثقل الحركات وهى الضمة ، وكما رفعوا الفاعل
لتقدمه ، ونصبوا المفعول لتأخّره ، فإنّ هذا أحد ما يحتجّ به فى المبتدأ ،
والفاعل. فهذا واضح كما تراه.
وأما ما رفض أن
يستعمل وليس فيه إلا ما استعمل من أصله فعنه السؤال ، وبه الاشتغال. وإن أنصفت
نفسك فيما يرد عليك فيه حليت به وأنقت [٢] له ، وإن تحاميت الإنصاف ، وسلكت سبيل الانحراف ، فذاك
إليك ، ولكن جنايته عليك.
«جواب قوى» :
اعلم أن الجواب عن هذا الباب تابع لما قبله ، وكالمحمول على حكمه. وذلك أن الأصول
ثلاثة : ثلاثى ، ورباعى ، وخماسى. فأكثرها استعمالا ، وأعدلها تركيبا ، الثلاثى.
وذلك لأنه حرف يبتدأ به ، وحرف يحشى به ، وحرف يوقف عليه. وليس اعتدال الثلاثى
لقلة حروفه حسب ؛ لو كان كذلك لكان الثنائى أكثر منه ؛ لأنه أقل حروفا ، وليس
الأمر كذلك ؛ ألا ترى أن جميع ما جاء من ذوات الحرفين جزء لا قدر له فيما جاء من
ذوات الثلاثة ؛ نحو من وفى ، وعن ، وهل ، وقد ، وبل ، وكم ، ومن ، وإذ ، وصه ،
ومه. ولو شئت لأثبتّ جميع ذلك فى هذه الورقة. والثلاثى عاريا من الزيادة ، وملتبسا
بها ، مما يبعد تداركه ، وتتعب الإحاطة به. فإذا ثبت ذلك عرفت منه ، وبه أنّ ذوات
الثلاثة لم تتمكن فى الاستعمال لقلة عددها حسب ؛ ألا ترى إلى قلة الثنائى ؛ وأقلّ
منه ما جاء على
[١] فى بعض النسخ (تعتاض)
بالضاد المعجمة ، وهو تحريف. وأصل الكلمة من العوض وهو ضد الإمكان واليسر والكلمة
العوصاء : الغريبة ، وقد اعتاص وأعوص فى المنطق غمّضه. اللسان (عوص).