الشريعة فيها ، وكثرة الخلاف فى مباديها ، ولا تقطع فيها بيقين ، ولا من
الواضع لها ، ولا كيف وجه الحكمة فى كثير مما أريناه آنفا من حالها ، وما هذه
سبيله لا يبلغ شأو ما عرف الآمر به ـ سبحانه وجلّ جلاله ـ وشهدت النفوس ، واطّردت
المقاييس على أنه أحكم الحاكمين سبحانه. انقضى السؤال.
قيل : لعمرى إن
هذه أسئلة ، تلزم من نصب نفسه لما نصبنا أنفسنا من هذا الموقف له. وهاهنا أيضا من
السؤالات أضعاف هذه الموردة ، وأكثر من أضعاف ذلك ، ومن أضعاف أضعافه ؛ غير أنه لا
ينبغى أن يعطى فيها باليد. بل يجب أن ينعم الفكر فيها ، ويكاس فى الإجابة عنها.
فأوّل ذلك أنا لسنا ندّعى أن علل أهل العربية فى سمت العلل الكلامية البتة ، بل
ندّعى أنها أقرب إليها من العلل الفقهيّة ، وإذا حكّمنا بديهة العقل ، وترافعنا
إلى الطبيعة والحسّ ، فقد وفّينا الصنعة حقّها ، وربأنا [١] بها أفرع مشارفها. وقد قال سيبويه : وليس شيء مما
يضطرّون إليه ، إلا وهم يحاولون به وجها. وهذا أصل يدعو إلى البحث عن علل ما
استكرهوا عليه ؛ نعم ويأخذ بيدك إلى ما وراء ذلك ، فتستضيء به وتستمدّ التنبّه على
الأسباب المطلوبات منه. ونحن نجيب عما مضى ، ونورد معه ، وفى أثنائه ما يستعان به
، ويفزع فيما يدخل من الشبه إليه ، بمشيئة الله وتوفيقه.
أمّا إهمال ما
أهمل ، مما تحتمله قسمة التركيب فى بعض الأصول المتصوّرة ، أو المستعملة ، فأكثره
متروك للاستثقال ، وبقيته ملحقة به ، ومقفّاة على إثره. فمن ذلك ما رفض استعماله
لتقارب حروفه ؛ نحو سص ، وطس ، وظث ، وثظ ، وضش ، وشض ؛ وهذا حديث واضح لنفور الحس
عنه ، والمشقة على النفس لتكلفه. وكذلك نحو قج ، وجق ، وكق ، وقك ، وكج ، وجك.
وكذلك حروف الحلق : هى من الائتلاف أبعد ؛ لتقارب مخارجها عن معظم الحروف ، أعنى
حروف الفم. فإن جمع بين اثنين منها قدّم الأقوى على الأضعف ؛ نحو أهل ، وأحد ، وأخ
، وعهد ، وعهر ؛ وكذلك متى تقارب الحرفان لم يجمع بينهما ، إلا بتقديم الأقوى
منهما ؛ نحو أرل ، ووتد ، ووطد. يدل على أن الراء أقوى من اللام أن القطع عليها
أقوى من القطع على اللام. وكأن ضعف اللام إنما أتاها لما
[١] المشارف :
الأعالى ، وأفرع : أعلى ، وربأ الجبل : علاه.