اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 503
أأقنع من نفسي بأنْ يُقال : أمير
المؤمنين ، ولا اُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون اُسوة لهم في جشوبة العيش؟! فما
خُلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها
تقمّمها ، تكترش من أعلافها وتلهو عمّا يُراد بها. أو أترك سدىً ، أو أهمل عابثاً
، أو أجرّ حبل الضلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة؟! وكأنّي بقائلكم يقول : إذا كان
هذا قوت ابن أبي طالب ، فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان. ألا
وإنّ الشجرة البرّيّة أصلب عوداً ، والروائع الخضرة أرقّ جلوداً ، والنّباتات
البدويّة أقوى وقوداً وأبطأ خموداً ، وأنا من رسول الله (ص) كالصنوِ من الصنوِ ،
والذراع من العضُد. والله ، لو تظاهرت العرب على قتالي لمَا ولّيت عنها ، ولو
أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها». فدىً لك نفسي وأهلي ومالي يا أمير المؤمنين
، ويا بطل المسلمين ، ويا قاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين ، ويا مَن انتهت
إليه الشجاعة والفروسيّة. واقتفى أثره في ذلك ولده أبو عبد الله الحسين (ع) ، فإنّ
هذا الشبل من ذلك الأسد ، وهذا الثمر من ذلك الشجر.
ولا عجبٌ أنْ يُشبهَ الليثُ شبلَهُ
وحقٌّ على ابنِ الصَّقرِ أنْ يُشبهَ
الصَّقرا
فهو الذي اختار المنيّة على الدنيّة ،
ومصارع الكرام على طاعة اللئام ، وموت العزّ على حياة الذل.
لهُ منْ عليٍّ في الحروبِ شجاعةٌ
ومنْ أحمدٍ عندَ الخطابةِ قيلُ
وقد شهدت له بالصبر أعداؤه ـ والفضل ما
شهدت به الأعداء ـ ؛ وذلك لمّا دعا النّاس إلى البراز ، فلمْ يزل يقتل كلّ مَن برز
إليه حتّى قتل مقتلةً عظيمةً ، وهو في ذلك يقول :
القتلُ أولَى منْ رُكوبِ العارِ
والعارُ أولَى منْ دخولِ النّارِ
قال بعض الرواة : فوالله ، ما رأيت
مكثوراً (أي : مغلوباً) قطْ قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشاً منه ،
وإنْ كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا
شدّ فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون من بين
يدَيه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : «لا
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 503