أَظْهُرِكُمْ إِلَى رِضْوَانِهِ وَ أَنَّ الْمَنِيَّةَ لَتَرْصُدُنِي فَمَا يَمْنَعُ أَشْقَاهَا أَنْ يَخْضِبَهَا وَ تَرَكَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَ لِحْيَتِهِ عَهْداً عَهِدَهُ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى وَ نَجَا مَنِ اتَّقى وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ هَؤُلَاءِ لَيْلًا وَ نَهَاراً وَ سِرّاً وَ إِعْلَاناً وَ قُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ فَإِنَّهُ مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ[1] وَ تَخَاذَلْتُمْ وَ ثَقُلَ عَلَيْكُمْ قَوْلِي وَ اسْتَصْعَبَ عَلَيْكُمْ أَمْرِي وَ اتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَ ظَهَرَتْ فِيكُمُ الْفَوَاحِشُ وَ الْمُنْكَرَاتُ تُمَسِّيكُمْ وَ تُصَبِّحُكُمْ كَمَا فُعِلَ بِأَهْلِ الْمَثُلَاتِ مِنْ قَبْلِكُمْ حَيْثُ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنِ الْجَبَابِرَةِ الْعُتَاةِ الطُّغَاةِ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْغُوَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى- يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ[2] أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ حَلَّ بِكُمُ الَّذِي تُوعَدُونَ عَاتَبْتُكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ بِمَوَاعِظِ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِكُمْ وَ أَدَّبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي وَ عَاقَبْتُكُمْ بِالسَّوْطِ الَّذِي يُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ فَلَمْ تَرْعَوُوا وَ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي يُصْلِحُكُمْ هُوَ السَّيْفُ وَ مَا كُنْتُ مُتَحَرِّياً صَلَاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي[3] وَ لَكِنْ سَيُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ سُلْطَانٌ صَعْبٌ لَا يُوَقِّرُ كَبِيرَكُمْ وَ لَا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ وَ لَا يُكْرِمُ عَالِمَكُمْ وَ لَا يَقْسِمُ الْفَيْءَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَكُمْ وَ لَيَضْرِبَنَّكُمْ وَ لَيُذِلَّنَّكُمْ وَ لَيَجُرَّنَّكُمْ فِي الْمَغَازِي وَ لَيَقْطَعَنَّ سُبُلَكُمْ وَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ عَلَى بَابِهِ حَتَّى يَأْكُلَ قَوِيُّكُمْ ضَعِيفَكُمْ ثُمَّ لَا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَ لَقَلَّ مَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ وَ إِنِّي لَأَظُنُّكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ وَ مَا عَلَيَّ إِلَّا النُّصْحُ لَكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلَاثٍ وَ اثْنَتَيْنِ[4] صُمٍّ ذَوِي أَسْمَاعٍ وَ بُكْمٍ ذَوِي أَلْسُنٍ وَ عَمْيٍ ذَوِي أَبْصَارٍ- لَا إِخْوَانِ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ لَا إِخْوَانِ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلَاءِ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَ مَلُّونِي وَ سَئِمْتُهُمْ وَ سَئِمُونِي[5] اللَّهُمَّ لَا تُرْضِ عَنْهُمْ أَمِيراً وَ لَا تُرْضِهِمْ عَنْ أَمِيرٍ وَ أَمِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ بِالْمَاءِ[6] أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَجِدُ بُدّاً[7] مِنْ كَلَامِكُمْ وَ مُرَاسَلَتِكُمْ مَا فَعَلْتُ وَ لَقَدْ عَاتَبْتُكُمْ فِي رُشْدِكُمْ حَتَّى لَقَدْ سَئِمْتُ الْحَيَاةَ كُلَّ ذَلِكَ تُرَاجِعُونَ بِالْهُزْءِ مِنَ الْقَوْلِ فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ وَ إِلْحَاداً إِلَى الْبَاطِلِ الَّذِي لَا يُعِزُّ اللَّهُ بِأَهْلِهِ الدِّينَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ كُلَّمَا أَمَرْتُكُمْ بِجِهَادِ عَدُوِّكُمُ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَ سَأَلْتُمُونِي التَّأْخِيرَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ[8] إِنْ قُلْتُ لَكُمْ فِي الْقَيْظِ سِيرُوا قُلْتُمُ الْحَرُّ شَدِيدٌ-[9] وَ إِنْ قُلْتُ لَكُمْ فِي الْبَرْدِ سِيرُوا قُلْتُمُ الْقَرُّ شَدِيدٌ كُلُّ ذَلِكَ فِرَاراً عَنِ الْحَرْبِ
[1] أي احال كل منكم الأمر الى صاحبه و وكله إليه و لم يتوله أحد منكم.
[2] البقرة: 49.
[3] أي: متطلبا صلاحكم بفساد ديني.
[4] منيت به: امتحنت و اختبرت به.
[5] سئمه: مله.
[6] يماث الملح: يذوب.
[7] لم تجد لك بدا من كذا أي: مخلصا منه.
[8] المطول: الكثير المطل، و هو: تأخير أداء الدين بلا عذر.
[9] القر- بالضم-: البرد.