التخصّص في هذا العلم. وبالطبع فإنّ العلوم الإسلامية الأخرى مثل «علم الكلام» و «التفسير» و «الحديث» و «علم الرجال» و «الفلسفة الإسلامية» قد برزت فيها ظاهرة التخصّص منذ سنوات، ونشهد حضور مئات المحقّقين في هذه العلوم في الحوزات العلمية الموجودة في العالم الإسلامي.

ومن جهة علم الفقه أيضاً نشهد بوادر التخصّص في الأبواب المختلفة من هذا العلم.

وفي هذا العصر أيضاً نجد بعض الفقهاء متضلّعين في بعض أقسام الفقه الإسلامي كالعبادات أو المعاملات أو القضاء والشهادات والحدود والديات، ويتمتّعون بمعلومات ورؤى عميقة، ويجري الحديث أحياناً عن مسألة التجزّؤ في التقليد، وهذه الظاهرة بدورها تمثّل طليعة مباركة تدعو لتعميق وتطوير علم الفقه في واقع الحياة الفكرية المعاصرة.

دور الموسوعات ودوائر المعارف:

إنّ انفصال العلوم وظاهرة التخصّص في هذه العلوم تعتبر من اللوازم الحتمية وغير القابلة للاجتناب لمسألة اتّساع ونموّ العلوم والمعارف، ولكنّ هذا لا يعني الاستقلال والانفصال التام بين العلوم البشرية. مثلًا بالنسبة لعلم الطبّ، فبالرغم من وجود مئات الفروع التخصّصية لهذا العلم، ولكنّ هذا لا يعني أنّ فرع طبّ العيون مثلًا مستقلّ ومنفصل تماماً عن طبّ الأعصاب والنفس والقلب والعروق والدم، فمن البديهي أنّ القلب والعروق والأعصاب ليست منفصلة تماماً عن العين، ولا أنّ العلوم المتعلّقة بهذه الفروع يمكنها أن تكون مستقلّة تماماً عن بعضها. وهذا هو الذي دعا بعض العلماء لأن يتحرّكوا، ولمدّة سنوات مديدة، في عملية تدوين الموسوعات ودوائر المعارف من أجل توفير اطلاع إجمالي على العلوم المختلفة للراغبين في ذلك.

إنّ هذا الأمر يعدّ نوعاً من العودة للماضي العلمي البعيد في تاريخ المعرفة البشرية، أي مرحلة وحدةالعلوم، ولكن ليس بتلك المرتبة الساذجة، بل بمرتبة أعلى بكثير. وبالنسبة لعلم الفقه وبشكل مقطعي فنحن نهدف لتدوين العديد من دوائر المعارف حيث تتضمّن معلومات موجزة ومضغوطة لجميع أبواب الفقه، وتارة تكون بشكل المنهج الموضوعي، وأخرى بشكل المنهج الترتيبي.

ضرورة الفقه المقارن:

إنّ الارتباط الوثيق بين الفرق والمذاهب الإسلامية وعملية نشر آراء ونظرات كلّ واحد من‌