ويمكن إثبات شمولية الدين الإسلامي من طريقين:

ألف) الخاتمية بهذا البيان: أوّلًا: إنّ الدين الإسلامي يعتبر آخر دين إلهيّ للبشرية، وسوف لا يأتي دين آخر أو كتاب سماويّ آخر للبشرية بعده، لأنّ نبيّ الإسلام هو «خاتم النبيّين»، كما قرّر القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله: «وَلكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ» [1].

وأيضاً تأمر الآية الشريفة نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله أن يبلغ ذلك رسمياً إلى العالم أجمع ويقول: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» [2] وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:

«أيُّها

النّاسُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَلا سُنَّةٌ بَعدَ سُنَّتي» [3]

وقال أيضاً:

«إنّ‌

دِيني وسُلطاني سَيَبْلُغ مَا بَلَغ مِلكُ كَسْرى‌ ويَنْتَهِي إلى مُنتَهى الخُفِّ والحافِر» [4].

ثانياً: إنّ الإسلام نهى رسمياً عن التحرّك من موقع قبول الثقافات غير الإسلامية والإذعان لها: «لَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» [5].

وعلى هذا الأساس، فإنّ الدين الذي يمنع أتباعه من التوجّه إلى الأجانب ويدّعي في ذات الوقت الشمولية والعالمية والخاتمية لا يمكن أن يكون ناقصاً وغير كامل.

ب) «تبيان كلّ شي‌ء» وهذا يعني أنّ القرآن الكريم عرّف نفسه بأنّه تبيان ومبيّن لكلّ شي‌ء يدخل في دائرة هداية البشر: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ» [6]، ولا شكّ في أهمية ودور الحكومة العادلة في هداية البشر في واقع الحياة والمجتمع.

وممّا تقدّم نصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ الدين الجامع والشامل، لا يمكن أن يقف بعيداً في مجال إدارة المجتمع والحكومة، ولا يملك أيّ تعاليم في شأنها والتي تعتبر من أهم حاجات البشر في جميع الأعصار والحقب الزمنية.

3. اهتمام النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله بتشكيل الحكومة الإسلامية

لا شكّ في أنّه:

أوّلًا: إنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله كان يتحرّك على مستوى تشكيل الحكومة، وقد أقدم عمليّاً على تحقيق هذا الأمر في أوّل سنة من دخوله إلى المدينة بعد الهجرة، وهناك شواهد كثيرة على هذا الأمر منها:

أ) تنظيم الدواوين والأمور الإدارية وتشكيل بيت‌المال‌

إنّ من أولى الأعمال التي قام بها النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في المدينة هي تشكيل بيت المال. وقد اختار النبيّ صلى الله عليه و آله الزبير بن العوّام وجهمة بن الصلت، لإدارة الشؤون الاقتصادية والأموال الحكومية للنبيّ، فقد كانا يعملان على تدبير الأمور المالية لهذه الحكومة الفتية وقد كان بعض المسلمين يعملون على جمع الزكاة من مواردها.

وقد كان حذيفة، مسؤولًا عن أمور البساتين والنخيل.

أمّا المغيرة بن شعبة والحصين بن المغيرة، فكانا مسؤولان عن أمور المعاملات وتنظيم المدينة [7].

ويقول وهبة الزحيلي:

«إنّ حكومة النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله الجديدة في المدينة قامت بالعديد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية،

[1]. سورة الأحزاب، الآية 40.

[2]. سورة الأعراف، الآية 158.

[3]. وسائل الشيعة، ج 18، ص 555، ح 3.

[4]. تاريخ الطبري، ج 2، ص 297.

[5]. سورة النساء، الآية 141.

[6]. سورة النحل، الآية 89.

[7]. انظر: اضواء على السنة المحمدية لابوريّه، ص 256.