الناسخ إنّما هو الجزء الثاني أي المنع من الترك، وأمّا الجزء الأوّل وهو طلب
الفعل واستحبابه فهو باقٍ على حاله [1].
وفيه: أنّ الوجوب ليس أمراً مركّباً بل أنّ حقيقته
أمر بسيط، والتعبير بتركيبه من طلب الفعل والمنع عن الترك تعبير تسامحي، فإنّ
الوجوب عبارة عن البعث الشديد إلى الفعل، بخلاف الاستحباب الذي عبارة عن البعث
الخفيف.
وأمّا الإباحة فهي إرسال تشريعي وترخيص إنشائي اعتباري من جانب الشارع نظير
الترخيص التكويني فيما إذا فتحت باب دارك مثلًا ورفعت الموانع عن الدخول فيها،
فكما أنّ الإباحة التكوينية عبارة عن رفع المانع وإطلاق السراح والترخيص كذلك
الإباحة الإنشائيّة التشريعيّة.
وهكذا الأمر في الحرمة الّتي هي الزجر الشديد عن الفعل في قبال الكراهة الّتي
حقيقتها هي الزجر الخفيف عن الفعل.
و عليه فالأحكام التكليفية متباينات في نظر العرف وإرتكازهم، حتّى مع قطع
النظر عن بيان الشرع.
وأمّا الدليل من الخارج فلا يتصوّر في
البين إلّااستصحاب كلّي الجواز، وهو فيما نحن فيه يكون من قبيل القسم الثالث من
استصحاب الكلّي- نظير ما إذا كان كلّي الإنسان موجوداً في الدار مثلًا ضمن وجود
زيد وبعد خروجه عن الدار نشكّ في بقاء كلّي الإنسان بدخول عمرو- وقد ثبت في محلّه
عدم حجّيته، إلّاإذا كان الفرد الزائل والفرد المحتمل وجوده من مراتب شيء واحد في
نظر العرف كالسواد الشديد والسواد الخفيف، حيث إنّهما وإن كانا متباينين بالدقّة
العقليّة إلّاأنّهما عند العرف يعدّان من المراتب الوجودية لشيء واحد، فيستصحب
كلّي السواد إذا علمنا بزوال الفرد الشديد واحتملنا بقاء الفرد الخفيف.
ولكنّه لا ينفع فيما نحن فيه؛ حيث إنّ الأحكام الخمسة متباينات عند العرف،