و أمّا
الثاني، أي الغليان بالنار فانّه لا يوجب أي تغيير كيمياوي، و قد ذكرنا في محلّه
من كتاب الطهارة إنّه لا يوجب إلّا الحرمة لا النجاسة.
إذا عرفت ذلك
فلنرجع إلى حكم بيعه، سواء قلنا بحرمته أو بنجاسته أيضا، و قلّما تعرّض له الأكابر
كما اعترف به بعض المحقّقين فالمسألة غير محرّرة في كلمات القدماء، و ذكر العلّامة
الأنصاري قدّس سرّه إنّه لم يخالف فيه صريحا إلّا في مفتاح الكرامة
[1][2].
و حاصل ما
استدلّ به لحرمة بيعها بعد الغليان امور:
أوّلها:
نجاستها و قد عرفت غير مرّة أنّ مجرّد النجاسة (على القول به هنا) لا يوجب فساد
البيع إذا كانت له منافع محلّلة اخرى كما في المقام و هو ذهاب ثلثيه ثمّ شربه.
ثانيها:
حرمتها و عدم ماليتها شرعا، فلا يجوز بذل المال بازائها، و فيه إنّها مال معيوب
كما صرّح به شيخنا الأعظم الأنصاري قدّس سرّه [3]
و يظهر من غيره.
و لذا لا
يضمن من غلاه إلّا ارش العيب، بل قد لا يكون هذا عيبا بل حسنا إذا ذهب مقدار من
مائه و قربت الطهارة فلا ارش، و إن فعل حراما للتصرّف في مال غيره بغير إذنه، و
قياسه على الخمر المغصوبة القابلة للتخليل قياس مع الفارق، و إن ذكره في جامع
المقاصد [4].
و على كلّ
حال فهذا دليل على الصحّة، لأنّ المالية و المنفعة المعتدّة بها ثابتة فيها فيصحّ
بيعه.
ثالثها:
روايات عديدة منها:
1- ما رواه
أبو كهمس قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العصير، لي كرم و أنا أعصره
كلّ سنة، و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي، قال عليه السّلام: «لا بأس به، و
إن غلا فلا يحلّ بيعه» ثمّ قال: «هو ذا نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا»
[5].