اسم الکتاب : ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام المؤلف : الموسوي القزويني، السيد علي الجزء : 1 صفحة : 246
عليه ، وفي كلام غير واحد منهم صاحب الحدائق [١] في فروع الكرّ
التعليل له بعدم تعقّل سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى ، وحكى ذلك عن الشهيد
في الروض [٢].
ولا يخفى ما
فيه ، فإنّ الأحكام الشرعيّة التعبّديّة ـ ولا سيّما أحكام الطهارة والنجاسة ـ لا
تقاس بالعقول ، فقصور العقل عن إدراك السراية من الأسفل لا يوجب الحكم عليها
بالعدم ، بعد ما كان مقتضى الأدلّة النقليّة من العمومات والإطلاقات هو السراية ؛
ضرورة جريان قاعدة الانفعال في المفروض أيضا ، مع أنّ السراية الّتي لا تعقل هنا
إن اريد بها سراية عين النجاسة الحاصلة بتفرّق أجزائها في أجزاء الماء وامتزاجها
معها.
ففيه : أنّه
منقوض بالمتساوي السطوح من القليل الّذي يقع فيه من النجاسات ما لا تتفرّق أجزاؤه
مطلقا أو في الجملة ، فقضيّة ما ذكر من الاستحالة أن لا يحكم فيه بالانفعال ، لأنّ
مبناها على عدم سراية العين وهو حاصل في الفرض ، فينبغي من أجل ذلك أن يفصّل في
مسألة انفعال القليل بملاقاة النجاسة بين ما كان النجاسة الواقعة فيه ممّا له
أجزاء قابلة للتفرّق والسراية فيحكم بالانفعال ، وبين غيره وهو كما ترى.
وإن اريد بها
سراية أثر النجاسة ، فأيّ استحالة في سراية الأثر من الأسفل إلى الأعلى ، وأيّ شيء
قضى لكم بها في غير مختلف السطوح ، والنجاسة لا تباشره إلّا في جزء منه وهو لا
يقضي بها هنا ولا يجري في المقام ، وهل هو إلّا تعبّد من الشارع ، أو لأنّ الأثر
يسري من جزء إلى جزء آخر بواسطة ما بينهما من الاتّصال ، وأنّ الجزء الملاقي لعين
النجاسة ينفعل بها ويوجب انفعال ما اتّصل به من الجزء الغير الملاقي لها وهكذا أتى
آخر الأجزاء ، بناء على أنّ انفعال القليل لا يفرّق فيه بين استناده إلى ملاقاة
النجس وملاقاة المتنجّس ، بمعنى أنّ ملاقاة المتنجّس أيضا توجب انفعال الملاقي له
كملاقاة النجس ، وأيّ عقل ينكر إمكان جريان الأوّل في مفروض المسألة ، كما أنّه
أيّ عقل يقضي باستحالة جريان الثاني فيه ، مع أنّ الواسطة في الانفعال وهو مجرّد
الاتّصال متحقّقة معه جزما.
فالحقّ أنّ
الحكم تعبّدي ومستنده الإجماع لمن حصّل له ذلك ، أو منقوله لمن يراه حجّة ، وقد
استفاض من علمائنا الأعلام نقله ، ومنهم ثاني الشهيدين في روضه [٣] على