اسم الکتاب : مناهج الأحكام في مسائل الحلال و الحرام المؤلف : القمّي، الميرزا أبو القاسم الجزء : 1 صفحة : 47
ما عهد من مذهبهم من عدم الاقتداء بالفاسق، و كانت الجمعة في الأغلب من المخالفين، و خصوصاً في المدن المعتبرة، فلم يتمكّن الشيعة من ذلك، و زرارة و عبد الملك كانا بالكوفة، و هي أشهر مدن الإسلام يومئذٍ، و كان إمام الجمعة فيها مخالفاً، فتهاونهما لذلك، و لمّا كانت الجمعة من أعظم الفرائض، ما رضي الإمام بتركها مطلقاً، فلذلك حثّ على فعلها سرّاً مهما تيسّر، و هذا هو السبب في تهاون أصحابنا لهذه الفريضة في زمن الغيبة، حتّى آل الحال إلى تركها رأساً في أكثر الأوقات و الأصقاع، مع إمكان الإتيان بها على وجهها. و نقل نظير ذلك من الشهيد الثاني [1](رحمه اللّه) أيضاً.
أقول: أمّا حمل الرواية على التقيّة و أنّ المراد أنّه يجب عليهم الإتيان بذلك خفية كما ذكره يضعّفه ما يظهر من تتبّع الأخبار و الآثار، كمال تأكيدهم (عليهم السلام) في أمر التقيّة، و تحذيرهم لشيعتهم و ذمّهم إيّاهم على تركها، بل و ربّما نرى سأل الراوي عن حال شيء و قال: «أجب لي بغير تقيّة» و قال: «ما حكم هذا من دون تقيّة» فأجابوا (عليهم السلام) بأنّه هكذا، و هو أيضاً موافق للتقيّة، و مع هذا كيف كان يرضى لزرارة و غيره من أصحابه أن يرتكبوا مثل هذا الأمر العظيم الّذي هو أظهر عندهم من كلّ مخالفة لهم؟
سيّما و فيها داعية الرئاسة و الاجتماع و التصفّح عنهم و التنفّر عن جمعيتهم، و يصير هذا سبباً لضغنهم و عداوتهم و أذيّتهم للشيعة، فإنّ ذلك ليس ممّا يختفى و يمكن اختفاءه بحيث لا يظهر على المخالفين، سيّما و هم (عليهم السلام) لا يرضون بذلك في مقام احتمال الضرر فكيف بمثل هذا الأمر الّذي لو لم يكن يقينيّ الضرر فلا أقلّ من مظنونه؟
و من كلّ ذلك علم أنّ زرارة و أتباعه كانوا آمنين من الخوف، متمكّنين من الصلاة، و لكنّهم لا يدرون الجواز بدون إذن الإمام بخصوصه أو حضوره بنفسه، و لم يكن الإمام بنفسه يومئذٍ أيضاً متمكّناً من الإتيان بها أو نصب شخص خاصّ،