المسألة
الثالثة : إذا حكم على
الغائب فهل يدفع إلى المدّعي المدّعى به ، أم لا؟
المعروف من مذهب
الأصحاب : نعم ، ويدلّ عليه الخبران [١].
وهل هو على الوجوب
بعد طلب المدّعي ، أم الجواز؟
الخبران لا يثبتان
أزيد من الجواز ، فهو الوجه.
وأمّا عمومات
النهي عن المنكر ونحوها فلا تفيد هنا ، إذ مع بقاء الغريم على الحجّة وعدم الإحاطة
بما يحتجّ به لا يعلم منكر ، ولا حقّ ثابت بلا كلام حتى يجب استيفاؤه.
وهل يتوقّف جواز
الدفع على أخذ الكفيل ، كما ذهب إليه الشيخ في النهاية والقاضي والحلّي على ما حكي
عنهم ، والمحقّق في كتابيه [٢] ، وجمع من المتأخّرين [٣] ، منهم الوالد العلاّمة؟
أم لا ، كما حكي
عن ابن حمزة [٤]؟ بل هو مذهب كلّ من أوجب اليمين هنا ، فاكتفوا بالتحليف عن
التكفيل.
الحقّ هو : الأول
، للخبرين المتقدّمين ، ولكنّ التكفيل فيهما مقيّد بعدم كون المدّعي مليّا ، فمع
ملاءته لا تكفيل ، وهو كذلك ، لذلك.
وظاهر أنّ علّة
التكفيل والتقييد إنّما هي دفع الضرر عن الغريم لو ثبت استحقاقه الاسترداد ، وعلى
هذا فيجب أن يكون الكفيل من يسهل الاستيفاء عنه ، وكذلك الملاءة ، فلو كان مليّا
ولكن كان المال المحكوم به له خطيرا
[١] أي مرسلة جميل
ورواية محمّد ، المتقدّمتان في ص ٣٠٤.
[٢] النهاية : ٣٥٢ ،
وحكاه عن القاضي في الرياض ٢ : ٤١٤ ، الحلّي في السرائر ٢ : ٣٤ ، المحقّق في
الشرائع ٤ : ٨٥ ، والنافع : ٢٨٥.
[٣] كابن سعيد في
الجامع للشرائع : ٥٢٧ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢١٦.