حكم الحاكم بشهادة
نفسه جاز بما ثبتت به شهادته أيضا ، لأنّه حكم بشهادة نفسه أيضا.
وفيه : أنّه إنّما
يصحّ لو كان حكمه بشهادة نفسه لأجل أنّها شهادة نفسيّته ـ كما في شهادة الشاهدين ـ
وليس كذلك ، لعدم دليل عليه ، وإنّما هو لأجل علمه حين الحكم ، وهو منتف هنا.
فالأصحّ عدم جواز الحكم بها ، للأصل.
المسألة
الخامسة : لا يجوز للحاكم
العالم بالواقعة ـ فيما يجوز حكمه بعلمه ـ قطع النظر عن العلم وإيقاف الحكم على
غيره من البيّنة أو اليمين ، لأنّ معنى الإيقاف : أنّه لو كان الغير مخالفا للعلم
عمل به ، وهو غير جائز ، إذ قبول البيّنة إنّما هو إذا لم يعلم مخالفتها للواقع
وإلاّ فلا تقبل إجماعا ، ولأنّه موجب للحكم بخلاف ما يعلم ، بل بغير ما أنزل الله
باعتقاده.
بل نقول : إنّ
المتبادر من عمومات طلب البيّنة واليمين إنّما هو في صورة اشتباه الواقعة ، وعلى
هذا فلا يكون بناء العمل على الغير مشروعا أيضا.
ومنه يظهر عدم
جواز طلب البيّنة أو اليمين ، لأنّه إلزام للمطلوب منه بدون ملزم شرعي. بل لا يجوز
الإحلاف ولو مع رضى الخصمين ، لأنّه أمر شرعيّ يتوقّف على التوقيف.
ويجوز طلب البيّنة
من غير أمر وإلزام ، بأن يقول : إن كان لك بيّنة وأردت إقامتها فلك ذلك ، لأصالة
جواز الإتيان بها ، وجواز إخبارها ، وجواز استماع خبرها ، بل قد يكون راجحا إذا
أوجب البعد عن معرض التهمة ، والله العالم.