لكن رجوعه إلى
الأول يبعده أمور : [ الأول ] : أنه أمر عرفي واضح التحقق ، فيكون تعليله في لسان
الشارع تعليلا على خلاف وظيفته وبيانا للواضح ، [ الثاني ] : أن ذهاب الريح لا
يترتب على مجرد وجود المادة ، وانما يترتب على ذلك منضما الى تزايد الماء النقي ،
ونقص المتغير وغلبة الأول على الثاني ، فلو رجع التعليل اليه لزم الاقتصار على بعض
العلة في التعليل وهو خلاف الظاهر. [ الثالث ] : أن المفاد المذكور ليس مدلولا
عليه بالكلام ولا مما سيق لأجله ، وانما هو متصيد. وهذا بخلاف المفاد الثاني كما
لا يخفى.
ومن ذلك يظهر لك
الاشكال فيما عن الشيخ البهائي [ ره ] في الحبل المتين من إجمال التعليل ، لاحتمال
رجوعه الى ترتب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح ، نظير قولك : لازم غريمك حتى
يوفيك حقك فإنه يكره ملازمتك.
وعلى ما ذكرنا
فالمتعين إرجاع التعليل إما الى المفاد الثاني للفقرة الأخيرة وحده ، أو مع الفقرة
الأولى فيكون تعليلا لمجموع المفادين. والأول متيقن والأظهر الأخير. واحتمال
إرجاعه إلى الفقرة الأولى فقط ـ فيكون تعليلا للدفع فقط ـ بعيد ، لان الكلام
السابق عليه مشتمل على الدفع والرفع معا وكون الرفع أقرب إليه ، فيكون تعليل الدفع
الذي هو أبعد إيهاما لخلاف المقصود ، فهو خلاف الظاهر. بل عرفت أن رجوعه الى الرفع
الذي هو أقرب متيقن ، ورجوعه اليه والى الدفع الأبعد أظهر ، لأن تخصيصه بأحدهما
دون الآخر مع احتياج كل منهما اليه بلا مخصص ، فهو خلاف الظاهر. وكون الثاني من
متعلقات الأول ـ لو تمَّ ـ فأولى أن يقتضي الرجوع إليهما معا لا إلى أحدهما وحده.
على أن تعلق الثاني بالأول من جهة عطفه عليه
اسم الکتاب : مستمسك العروة الوثقى المؤلف : الحكيم، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 126