وبعبارة اُخرى : إنّ في الزكاة حيثيّتين ، حيثيّة الصدور عبادةً ، وحيثية الوصول إلى المستحقّ ، فإن أمكن الجمع وإلاّ فامتناع الأوّل لا يسوّغ إهمال الثاني ممّن وظيفته التصدّي لحقوق الفقراء واستنقاذها من أيدي الممتنعين من غير فرق بين الكافر والمسلم . ونتيجة ذلك براءة ذمّة الممتنع ، لزوال الموضوع بطبيعة الحال .
واُخرى : بأنّ الزكاة تتعلّق بالعين ، على الخلاف في كيفيّة التعلّق من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّـة ، وعلى أيّ تقدير فاختـيار التطـبيق والتعيين في المدفوع بيد صاحب المال دون غيره ، فكيف يعيّنه الحاكم الشرعي فيما يأخذه منه قهراً ، وما هو الدليل على صحّة هذا التعيين الصـادر من غير صاحب المال ؟
ويندفع : بإمكان الاستدلال عليه بأدلّة التقاصّ من الممتنع ـ وفي بعضها أ نّه يدعو بالمأثور ـ إذ لا قصور في شمولها للمقام، الذي هو في الحقيقة من صغريات ذاك الباب ، فكما أنّ المالك أو من له الولاية على المال المغصوب ـ كولي الصغير ـ يجوز له الاستنقاذ والتقاصّ ولو من غير الجنس ممّا يعادله في المالية ، وتعيين الحقّ فيه نافذ وممضى بمقتضى تلك الأدلّة ، فكذا فيما نحن فيه ، لوحدة المناط كما لا يخفى .
نعم ، تمكن المناقشة بوجه ثالث ، وهو أ نّا ولو سلّمنا تكليف الكفّار بالفروع إلاّ أنّ المفروض سقوط الزكاة بمجرّد اختيار الإسلام ، ولا سيّما إذا كانت العين تالفة ، إذ في السقوط مع البقاء تأمّل كما ستعرف ، وأمّا مع التلف فلا كلام ولا خلاف في السقوط ، وعليه فبأيّ موجب يؤخذ الزكاة منه قهراً بعد أن لم تصحّ منه حال الكفر ولم يطلب منه حال الإسلام ؟!