من أجل الحصول على تأييد أصحاب هذا المذهب لكي يستعينوا بهم على تحقيق هدفهم فأدى ذلك إلى انتشار هذا المذهب. و قد ساعدت سياستهم المذهبية هذه إلى نشاط الحركة الإسماعيلية، فلما جاء السلاجقة إلى الحكم ادركوا خطر ذلك على مستقبل دولتهم فجعلوا سياستهم قائمة على نشر المذهب الشافعي و مقاومة الدعوات المخالفة بوسائل متعددة، فأسس وزيرهم نظام الملك مدارس خاصة بالفقهاء الشافعية في مدن العراق و المشرق [1] و كان من شروط القبول في هذه المدارس أن يكون الطالب شافعيا أصلا و فرعا [2] و قد خرّجت هذه المدارس أعدادا كبيرة من الفقهاء من أصحاب المذهب الشافعي [3] فازدهر هذا المذهب في العراق و المشرق.
و قد سبق أن ذكرنا أنه شيد بواسط عدد من المدارس الخاصة بالفقهاء الشافعية [4] و سوف نرى من خلال البحث أنه قصد بغداد عدد من الفقهاء الواسطيين لدراسة الفقه الشافعي على فقهاء هذه المدينة.
و كان من أشهر علماء الفقه الشافعي القاضي أبو تغلب محمد بن محمد بن عيسى بن جهور الواسطي (ت 503 ه/ 1109 م) الذي ذكرته المصادر بأنه كان «متقدّما في الفقه» [5] درس الفقه بواسط [6] ثم قدم بغداد و أقام مدة يدرس الفقه الشافعي على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي «و علق
[1] السبكي، طبقات الشافعية، 3/ 137 و قد رجحنا فيما سبق بناء إحدى هذه المدارس بواسط. انظر: المدارس.
[3] يقول أبو إسحاق الشيرازي الذي كان أحد مدرسي المدرسة النظامية ببغداد: «لما خرجت في رسالة الخليفة المقتدي إلى خراسان لم أدخل بلدا و لا قرية إلا وجدت قاضيها أو خطيبها من تلامذتي» الحنبلي، شذرات الذهب، 3/ 35.