اسم الکتاب : نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم و يليه نفثة المصدور فيما يتجدد به حزن العاشور المؤلف : القمي، الشيخ عباس الجزء : 1 صفحة : 311
(تذييل)
اعلم أن الشجاعة من المعاني القائمة بالنفس، فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر و لا يمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها، بل طريق معرفتها و العلم بها مشاهدة آثارها، فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة فطريقته أن ينظر إلى ما يصدر منه إذا أحدقت به الرجال و حفت به الآجال و تضايق المجال و حاق القتال فإن كان مجزاعا مهلاعا مفزاعا يستركب الهزيمة و يستبقها و يستصوب الدنية و يتطوقها و يتبادر إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار فذلك عن الشجاعة بمراحل و إن كان مجسارا كرارا صبارا يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزامير المطربة و يسرع إلى مصاف التصادم مسارعته إلى مواصلة النواظر المعجبة خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة يعد مصافحة الصفاح غنيمة باردة و مرامحة الرماح فائدة عائدة.
يلقى الرماح بنحره فكأنما * * * في قلبه عود من الريحان
و يرى السيوف و صوت وقع حديدها * * * عرسا تجليها عليه غوان
فهذا مالك زمام الشجاعة و حائزها، و صدق و اللّه واصفه بالشجاعة التي يحبها اللّه.
إذا عرفت هذا و تأملت فيما نقلناه من مقاتلة أصحاب الحسين (عليه السلام) و أهل بيته علمت أن جميعهم كانوا في أعلى درجة الشجاعة و أرفع مرتبة الشهامة إلا أن العباس بن علي (عليهما السلام) كان له من قداحها المعلى و رتبته أرفع و أعلى منه يقتبس أنوارها و يقتطف ثمرها و نوارها، فإنه كان صلب الإيمان نافذ البصيرة و ذا منزلة عند اللّه يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. و ناهيك بمن أبوه أمير المؤمنين سيد البرية عليه آلاف التسليم و التحية.
روى المسعودي في مروج الذهب في ذكر وقعة الجمل:
ان أصحاب الجمل حملوا على ميمنة علي (عليه السلام) و ميسرته فكشفوها فأتاه بعض ولد عقيل و علي (عليه السلام) يخفق نعاسا على قربوس سرجه فقال له:
اسم الکتاب : نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم و يليه نفثة المصدور فيما يتجدد به حزن العاشور المؤلف : القمي، الشيخ عباس الجزء : 1 صفحة : 311