ملساء، لا نرى فيها شيئا نستريح إليه، و لا نرى ماء و لا ظلّا.
قال: ما لكم عرّسوا، فابتدرت إلى القطار لأنيخ، ثمّ التفتّ، إذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظلّ تحتهما عالم من الناس، و إنّي لأعرف موضعهما، إنّه أرض براح [1] قفر، و إذا [أنا] بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء و أبرده.
فنزلنا، و أكلنا، و شربنا، و استرحنا، و أنّ فينا من سلك ذلك الطريق مرارا، فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، و جعلت أحدّ النظر إليه و أتأمّله طويلا، و إذا نظرت إليه تبسّم و زوي وجهه عنّي.
فقلت في نفسي: و اللّه لأعرفنّ هذا كيف هو، فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي، و وضعت عليه حجرين، و تغوّطت في ذلك الموضع، و تهيّأت للصلاة.
فقال أبو الحسن: استرحتم؟ قلنا: نعم!
قال: فارتحلوا على اسم اللّه. فارتحلنا، فلمّا أن سرنا ساعة رجعت على الأثر، فأتيت الموضع، فوجدت الأثر و السيف كما وضعت و العلامة، و كأنّ اللّه لم يخلق [ثمّ] شجرة، و لا ماء [و ظلالا] و لا بللا، فتعجّبت [من ذلك]، و رفعت يدي إلى السماء، فسألت اللّه بالثبات على المحبّة و الإيمان به، و المعرفة منه، و أخذت الأثر و لحقت القوم، فالتفت إليّ أبو الحسن (عليه السلام)، و قال: يا أبا العبّاس! فعلتها؟
قلت: نعم، يا سيّدي! لقد كنت شاكّا و لقد أصبحت، و أنا عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا و الآخرة.
[1] البراح، بالفتح: المتّسع من الأرض، لا زرع فيه و لا شجر. لسان العرب: 2/ 409 (برح).