اسم الکتاب : مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين(ع) المؤلف : حافظ رجب البرسي الجزء : 1 صفحة : 317
و قوله: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[1]، فالذي له ذنب من أين له طهارة؟ و الممدوح في الطهارة بالصدر من أين له ذنب، أما قوله يطهّركم تطهيرا فحق، لأنّهم خلقوا من نور الجلال، و اختصوا بالعصمة و الكمال، فالمعصوم الكامل من أين له ذنب؟
أما مثل هذا في الدعوات، فمنه قول زين العابدين (عليه السلام) و هو سيّد من عبد و ابن سيّد من عبد من الأوّلين و الآخرين في دعائه: «ربي ظلمت و عصيت و توانيت»، فإذا كان ظلوما جهولا كيف يكون سيّدا معصوما، و هو سيّد معصوم فكيف يكون ظلوما جهولا؟
أقول: معنى قوله (عليه السلام) إنه يقول: ربي إن شيعتنا لما خلقوا من فاضل طينتنا، و عجنوا بماء ولايتنا، رضونا أئمة، و رضينا بهم شيعة، يصيبهم مصابنا، و تنكبهم أوصابنا و يحزنهم حزننا، و نحن أيضا نتألّم لتألمهم، و نطلع على أحوالهم، فهم معنا لا يفارقونا [2]، لأن مرجع العبد إلى سيده و معوله على مولاه، فهم يهجرون من عادانا، و يجهرون بمدح من والانا.
و صدّق ما دللت عليه ما أورده ابن طاوس في كتاب مهج الدعوات، حكاية عن خليفة اللّه قائم آل محمد و خاتمهم ما هذا معناه، قال: و لقد سمعته سحرا بسر من رأى يدعو فيقول من خلف الحائط: اللهمّ أحي شيعتنا في دولتنا، و أبقهم في ملكنا و مملكتنا، و إن كان شيعتهم منهم و إليهم و عنايتهم مصروفة إليهم، فكأنه (عليه السلام) قال: اللهمّ إن شيعتنا منّا و مضافين إلينا، و إنهم قد أساءوا و قصروا و أخطئوا في العمل، رأونا صاحبا لهم رضا منهم، قد تقبلنا عنهم ذنوبهم، و تحمّلنا خطاياهم، لأن معولهم علينا و رجوعهم إلينا، فصرنا لاختصاصهم بنا و اتكالهم علينا كأنا نحن أصحاب الذنوب، إذ العبد مضاف إلى سيّده، و معول المماليك على مواليهم، و ملاذ شيعتنا إلينا و معولهم علينا، اللهم فاغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا، و طمعا في ولايتنا، و تعويلا على شفاعتنا، و لا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا، و و لنا أمرهم في الآخرة كما وليتنا أمرهم في الدنيا، و إن أحبطت السيئات أعمالهم فثقّل موازينهم بولايتنا و ارفع درجاتهم بمحبتنا، و هذا خيره كثير للمؤمن الموقن المصدق بأسرارهم [3].
و لو لم يكن في كتابي هذا غير هذا لكفاك أن امتلأت من درر الاعتقاد كفاك، و إلّا دراك،