ثم قال: اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الذي ضرب لكم الامثال، و وقت لكم الآجال، و جعل لكم اسماعا تعي ما عناها، و أبصارا لتجلو عن غشاها، و أفئدة تفهم ما دهاها، في تركيب صورها و ما اعمرها، فان اللّه لم يخلقكم عبثا، و لا يضرب عنكم الذكر صفحا، بل اكرمكم بالنعم السوابغ و أرفدكم بأوفر الروافد، و أحاط بكم الاحصاء، فأرصد لكم الجزاء في السراء و الضراء فاتقوا اللّه عباد اللّه وجدوا في الطلب، و بادروا في العمل منقطع البهمات [1070] و هادم اللذات، فان الدنيا لا يدوم نعيمها، و لا تؤمن فجائعها، غدور حائل و شبح فائل، و سناد مائل، يمضي مستطرفا، و يردي مستردفا، باتعات شهواتها، و ختل تضرعها [1071].
اتّعظوا عباد اللّه بالعبر و اعتبروا بالسير [1072] و ازدجروا بالنذر و انتفعوا بالمواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنية، و ضمكم بيت التراب، و دهمتكم مفظعات الأمور لنفخة الصور، و بعثرة القبور، و سياقة المحشر، و موقف الحساب، باحاطة قدرة الجبار، كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها و شاهد يشهد عليها بعملها (و أشرقت الارض بنور ربها و وضع الكتاب و جيء بالنبيين و الشهداء و قضى بينهم بالحق و هم لا يظلمون) [1073]، فارتجت لذلك اليوم البلاد، و نادى المناد و كان يوم التلاق، و كشف عن ساق، و كسفت الشمس و حشرت الوحوش، فكان مواطن الحشر، و بدت الأسرار، و هلكت الأشرار و ارتجت الأفئدة، فنزلت بأهل النار من اللّه سطوة مجيحة، و عقوبة منيحة