اسم الکتاب : قضاياالمجتمع والأسرة والزواج المؤلف : العلامة الطباطبائي الجزء : 1 صفحة : 17
معاشر الشرقيين ، وخاصة الباحثين من الفضلاء المفكرين في نطاق البحث الاجتماعي والنفسي ، غير أنّهم وردوا هذا البحث من غير مورده ؛ فاختلط عليهم حقُّ النظر ، ولتوضيح ذلك نقول :
أمّا قولهم : إنّ السنّة الاجتماعية الإسلامية غير قابلة الجريان في الدنيا ، على خلاف سُنن المدنيّة الحاضرة في جوِّ الظروف القائمة ، ومعناه أنّ الأوضاع الحاضرة في الدنيا لا تُلائم الأحكام المشرّعة في الإسلام . فهو مسلَّم ، لكنّه لا يُنتج شيئاً ، فإنّ جميع السُّنن الدائرة في المجتمع الإنساني ، إنّما حدثت بعد ما لم تكن ، وظهرت في حين لم تكن عامة الأوضاع والظروف الموجودة ، إلاّ مناقضة له طاردة إيّاه ، فانتهضت ، ونازعت السُّنن السابقة المستمرّة المتعرّقة ، وربّما اضطُهدِت وانهزمت في أول نهضتها ، ثمّ عادت ثانياً وثالثاً ، حتى غلبت وتمكّنت وملكت سيطرتها ، وربّما بادت وانقرضت ؛ إذ لم يُساعدها العوامل والظروف بعد ، والتاريخ يشهد بذلك في جميع السُّنن الدينية والدنيوية ، حتى في مثل الديمقراطية والاشتراكية ، وإلى مثله يُشير قوله تعالى : ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ )[1] .
فالآية تُشير إلى أنّ السنّة التي تُصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حَسنة محمودة .
فمجرّد عدم انطباق سنّة من السُّنن على الوضع الإنساني الحاضر ، ليس يكشف عن بطلانه وفساده ، بل هو في جملة السُّنن الطبيعية الجارية في العالم ، لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والانفعال وتنازع العوامل المختلفة .