شيء من التفسير . وهو الذي عاق التفكير الأوروبي الحديث ـ على الأغلب ـ عن الأخذ بفكرة الازدواج بعد أن رفض التفسير الأفلاطوني القديم للعلاقة بين الروح والجسم بوصفها علاقة بين قائد وعربة يسوقها ، فقد كان أفلاطون يتصوّر أنّ الروح جوهر قديم مجرّد عن المادّة يعيش في عالم وراء دنيا المادّة ، ثمّ يهبط إلى البدن ليدبّره كما يهبط السائق من منزله ويدخل العربة ليسوقها ويدبّر أمرها [1] .
وواضح : أنّ هذه الثنائية الصريحة والهوّة الفاصلة بين الروح والجسم في تفسير أفلاطون لا تصلح لتفسير العلاقة الوثيقة بينهما التي تجعل كلّ إنسان يشعر بأنّه كيان موحّد ، وليس شيئين من عالَمين مستقلّين التقيا على ميعاد .
وقد ظلّ التفسير الأفلاطوني قاصراً عن حلّ المشكلة بالرغم من التعديلات التي أُجريت على التفسير الأفلاطوني من قِبل أرسطو بإدخال فكرة الصورة والمادّة ، ومن قِبل ديكارت الذي جاء بنظرية الموازنة بين العقل والجسم القائلة : بأنّ العقل والجسم ـ الروح والجسد ـ يسيران على خطّين متوازيين ، وكلّ حادث يقع في أحدهما يصاحبه حادث يقابله يقع في الآخر ، وهذا التلازم بين الأحداث العقلية والجسمية لا يعني أنّ أحدهما سبب للآخر ؛ إذ لا معنى للتأثير المتبادل بين شيء مادّي وآخر غير مادّي ، بل إنّ هذا التلازم بين النوعين من الأحداث مردّه إلى العناية الإلهية التي شاءت أن يصاحب الإحساس بالجوع ـ دائماً ـ حركة اليد لتناول الطعام دون أن يكون الإحساس سبباً للحركة [2] .
ومن الواضح : أنّ نظرية الموازنة هذه تعبير جديد عن ثنائية أفلاطون ،
[1] يراجع : فالتزر ، أفلاطون ، تعريب : لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلاميّة : 55 .
[2] راجع : قصّة الفلسفة الحديثة : 1 / 81 ـ 83 . موسوعة الفلسفة : 1 / 497 . الموسوعة الفلسفيّة المختصرة : 192 ـ 193 .