بعد أن عجزوا عن إقصاء النطفة ، وتركيز نظرية التوالد الذاتي في الحيوانات المرئية بالعين المجرّدة . وهكذا تراجعوا إلى الميدان ، ولكن على مستوىً أخفض ، واستمرّ الجدال حول تكوّن الحياة بين المادّيين وغيرهم إلى القرن التاسع عشر ، حيث وضع (لويس باستور) حدّاً لذلك الصراع ، وأثبت بتجاربه العلمية أنّ الجراثيم والميكروبات التي تعيش في الماء ، كائنات عضوية مستقلّة ، ترد إلى الماء من الخارج ثمّ تتوالد فيه .
ومرّة أخرى حاول المادّيون أن يتعلّقوا بخيط من الأمل الموهوم ، فتركوا ميادين فشلهم إلى ميدان جديد ، هو : ميدان التخمير ؛ حيث حاول بعضهم أن يطبّق نظرية التوالد الذاتي على الكائنات العضوية المجهرية التي ينشأ بسببها الاختمار . ولكن سرعان ما باءت هذه المحاولة بالفشل ، كالمحاولات السابقة ، وذلك على يد (باستور) أيضاً ، حين أظهر أنّ التخمير لا يحصل في المادّة لو حفظت بمفردها ، وقطعت علاقتها بالخارج ، وإنّما يوجد بسبب انتقال كائنات عضوية معيّنة إليها ، وتوالدها فيها .
وهكذا ثبت في نهاية المطاف على شتّى أقسام الحيوان ـ وحتّى الحيوانات الدقيقة التي اكتشفت حديثاً ولم يكن من الممكن رؤيتها بالمجهر العادي ـ أنّ الحياة لا تنشأ إلاّ من الحياة ، وأنّ النطفة ـ لا التولّد الذاتي ـ هي القانون العام السائد في دنيا الأحياء .
ويقف المادّيون عند هذه النتيجة الحاسمة موقفاً حرجاً ؛ لأنّ نظرية التوالد الذاتي إذا كانت قد سقطت من الحساب في ضوء البحوث العلمية ، فكيف يمكنهم أن يعلّلوا نشوء الحياة على وجه الأرض ؟! وهل يبقى للوجدان البشري مستساغ ـ بعد ذلك ـ لإغماض عينيه في النور ، وغضّ بصره عن الحقيقة الإلهية الناصعة التي أودعت سرّ الحياة في الخلية ، أو الخلايا الأُولى ؟! وإلاّ فلماذا كفّت الطبيعة