وهدفنا الأساسي من هذا البحث هو : تحديد منهج الكتاب في المسألة الثانية ؛ لأنّ وضع مفهوم عامّ للعالم يتوقّف ـ قبل كلّ شيء ـ على تحديد الطريقة الرئيسية في التفكير ، والمقياس العامّ للمعرفة الصحيحة ، ومدى قيمتها ؛ ولهذا كانت المسألة الأُولى في الحقيقة بحثاً تمهيديّاً للمسألة الثانية . والمسألة الثانية هي المسألة الأساسية في الكتاب التي نلفت القارئ إلى الاهتمام بها بصورة خاصّة .
والبحث في المسألة الثانية يتسلسل في حلقات خمس :
ففي الحلقة الأُولى نعرض المفاهيم الفلسفية المتصارعة في الميدان وحدودها ، ونقدّم بعض الإيضاحات عنها .
وفي الحلقة الثانية نتناول الديالكتيك بصفته أشهر منطق ترتكز عليه المادّية الحديثة اليوم ، فندرسه دراسة موضوعية مفصّلة بكلِّ خطوطه العريضة التي رسمها هيجل وكارل ماركس ، الفيلسوفان الديالكتيكيان .
وفي الحلقة الثالثة ندرس مبدأ العلّية وقوانينها التي تسيطر على العالم ، وما تقدّمه لنا من تفسير فلسفي شامل له ، ونعالج عدّة شكوك فلسفية نشأت في ضوء التطوّرات العلمية الحديثة .
وننتقل بعد ذلك إلى الحلقة الرابعة : المادّة أو الله ، وهو البحث في المرحلة النهائية من مراحل الصراع بين المادّية والإلهية ، لنصوغ مفهومنا الإلهي للعالم في
الكتاب ، وانتهى إلى تأسيس اتّجاه جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثلان في (المذهب العقلي) و(المذهب التجريبي) ، وقد عرض هذا الاتّجاه الجديد في كتابه القيّم (الأُسس المنطقيّة للاستقراء) ، وسمّى ذلك بـ (المذهب الذاتي للمعرفة) تمييزاً له عن المذهبين الآخرين ، وحاول فيه إعادة بناء نظريّة المعرفة على أساس جديد ، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوءٍ يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في القسم الأوّل من هذا الكتاب . (لجنة التحقيق)