اسم الکتاب : دروس في مسائل علم الأصول المؤلف : التبريزي، الميرزا جواد الجزء : 1 صفحة : 34
على أنّ واضع الألفاظ هو اللّه سبحانه، إذ يحتمل أن يكون أصل الوضع في أيّ لغة قد حدث قبل التاريخ، ثمّ كملت تلك اللغة على مرّ العصور نتيجة تطوّر الأفكار و كثرة الحاجات، كما نرى بالوجدان أنّ المصنوعات و المخترعات الجديدة توضع لها الأسماء من غير أن يذكر في التاريخ من سمّاها بها، و مما ذكر يظهر الجواب عن تعذّر وضع أشخاص لغة جديدة، فضلا عن شخص واحد.
و قد ذهب سيدنا الأستاذ (قدّس سرّه) إلى أنّ وضع الألفاظ في حقيقته تعهّد و قرار من مستعمل اللفظ بأنّه كلّما أتى به أراد تفهيم المعنى الفلاني، و لا يفرّق في ذلك بين أن يكون التعهّد و القرار ابتدائيا، أو كان مسبوقا بالتعهد و الاستعمال من الآخرين فيكون مستعمل الألفاظ مع ذلك التعهّد واضعا، و لو كانت استعمالاته مسبوقة بالاستعمال من الآخرين، فإنّ عدم إعراضه عن استعمال السابقين و إقرار اللفظ على ما هو عليه إمضاء للتعهّد و القرار، فكلّ مستعمل واضع، غاية الأمر السابق- لسبقه في التعهّد و الاستعمال- يطلق عليه الواضع، و على ذلك فما يرى من خطور المعنى إلى الذهن عند سماع اللفظ و لو من غير شاعر فهو ليس من الدلالة الوضعيّة، بل منشؤه أنس الأذهان لكثرة الاستعمال [1].
و لكن لا يخفى أنّه لو كان الأمر كذلك لكان الأنس حاصلا بين اللفظ و إرادة تفهيم المعنى لا نفسه.
و الصحيح أنّ الوضع في الألفاظ عبارة عن جعلها علامات للمعاني، و الغرض من جعل العلامة تفهيمها بها، فالمعنى هو الموضوع له و مسمّى اللّفظ، لا أنّ إرادة